للأسف، سلوكات سلبية، حتى وإن كانت محدودة، لكنها مكثفة في بعض الأماكن، لاتزال تصنع المشهد اليومي في ظل خطر وباء فيروس كورونا، ولا توجد مبررات لكل تلك التنقلات والإقبال الزائد عن اللزوم على المراكز التجارية ومحلات المواد الغذائية في صورة مؤسفة لا ترقى لما يفترض أن يكون عليه المواطن، خاصة في عز أزمة مثل التي يصنعها كورونا الصامت.
كنت أعتقد أنه بعد منعرج الصدمة الأولى، خاصة بعد أن استفاق من كذّبوا ما أصبح حقيقة، أن يلتزم المواطنون بقواعد الحيطة والحذر، بالتزام إجراءات الوقاية والاحتراز تفاديا للعدوى، غير أن هناك «أصناف بشرية غريبة» تتصرف عكس التوجه العام في موقف يثير أكثر من سؤال.
عجبا، في لحظة الحجر والعزل الذي يستحب أن يكون طوعيا قبل أن يتحول إلى إجراء ملزم، تترتب عن مخالفته إجراءات ومتابعات وكرّ وفر، ظهر من يهوى ممارسة الرياضة وآخرون اكتشفوا التنزه وغيرهم تحول إلى بطل وهمي في مواجهة فيروس أسقط كبار العالم أرضا وأربك قوى عظمى بكل ما لديها من وسائل وإمكانات وتقدم علمي.
في مثل هذه اللحظات الصعبة، ينبغي أن تتغلب الحكمة ويعود الضمير الحيّ ليستفيق بعد غفلة، بعد أن غيّبته مرحلة عشريات التهور والانتهازية والخروج عن الإطار الإنساني، لما طغى الفساد وتراجعت القيم وتؤكد حالة المنظومة الصحية فداحة تراكمات حقبة تبيّن إفلاسها فيما اغتنت العصابة وأدواتها.
هناك أيضا من سارعوا إلى الاستفادة من الحجر ضمن أحكام التدابير الاحترازية، بتسريح العمال ومرونة المواقيت، لكن أغلبهم - كما يبدو- لا يلتزمون البيوت وتراهم في الأسواق والشوارع، وآخرها الاصطفاف قبل أيام عند محطات البنزين بمجرد إشاعة أخرجت البعض من عقولهم، في وقت العالم يتحدث عن الصحة والبحث والابتكار وتسابق التموقع في اقتياد المعرفة.
لكن بالمقابل هناك شريحة واسعة من المواطنين تستحق التنويه والتقدير، لما أظهرته من مواطنة وتمدن بالتزامها قواعد اليقظة وتفادي الوقوع في اللامبالاة وتداعياتها، حفاظا على الذات والمجتمع.
في تركيا، تم فرض الحجر على فئة الشباب أقل من 20 سنة. وفي الأردن حظر شامل طيلة أيام عطلة الأسبوع. لكن عندنا لا يتفهم كثيرون أسلوب التدرج والمواكبة الذي تنتهج مراهنة على عقل الإنسان وفطنته وحرصه على سلامة الفرد ومن حوله.
الصور التي تشاهد لا تبعث على الارتياح وتدعو إلى انتهاج أسلوب أكثر صرامة لكسر مسار فيه نزعة غير مسؤولية لا يمكن التغاضي عنها، طالما أن الصحة العمومية في الميزان ولا تقبل أي هفوة أو تردّد.