بعد أن باغت فيروس كورونا العالم محدثا كارثة غير مسبوقة، تتعاظم تداعياتها صحيا وإنسانيا، وجه الفيروس ضربة قاصمة للاقتصاد نتيجة توقف الأداء وتعثر قواعد السوق على كافة المستويات، بل أن موارد كبيرة كانت مخصصة للاستثمارات أعيد توجيهها إلى تمويل مختلف جوانب الوقاية والبحث عن علاج للوباء. والظاهر أنه بعد الصدمة هناك اتجاه للتعايش مع الكابوس إلى حين.
المنظومة الاقتصادية في بلادنا، بعد أن كانت تئنّ تحت مطرقة انهيار أسعار المحروقات وتحملت تراكمات الحراك، لم تفلت أيضا من دوامة كوفيد-19 التي تمر مثل عاصفة تهدد كل ما يعترض طريقها. وفي لحظة انقلبت فيها موازين السوق وتداخلت الضرورات الظرفية مع المتطلبات الإستراتيجية، بعد أن تسلل الفيروس الشبح إلى دواليب المؤسسات تحت مظلة الوقاية والاحتراز من العدوى. إجراءات لا مفر منها مثل إغلاق الحدود ومراجعة الأولويات بوضع الصحة العمومية للإنسان في عالم الشغل أولوية.
إن سلسلة التدابير الظرفية إذا استمرت طويلا، سوف تنجم عنها كلفة لا تطاق تزيد من تعقيد الوضعية المالية، في وقت كان الاتجاه نحو الرفع من معدلات الإنتاج وتحسين مؤشر الإنتاجية للرفع من معدل النمو بوتيرة أفضل من شأنها أن تعوض الفارق الذي تخسره الخزينة العامة بفعل تراجع مداخيل النفط وانعكاسات الفساد في العشريات الماضية.
وفي الوقت الذي يواجه فيه رواد المنظومة الصحية بكل حلقاتها الفيروس التاجي لإنقاذ الإنسان، فإن المنظومة الاقتصادية نفسها بحاجة إلى مرافقة أيضا، لإنقاذها من الركود والتعطل حتى يبقى نبض النمو خفاقا ولو بنفس ضعيف إلى حين الخروج من الأزمة.
ولا ينبغي السقوط تحت وطأة متطلبات مواجهة الفيروس دون وضع خطط بديلة تقود إلى بر الأمان اقتصاديا، بما يوفر حماية لمناصب العمل وتأمين الدخل للمؤسسات وعمالها وبقاء شعلة الاستثمار المنتج مضيئة قبل أن تنطفئ بتسونامي كورونا.
في هذا الإطار، ينبغي الانتباه إلى ضرورة الانتقال مبكرا لمراجعة أنظمة العمل وتكييف مخططات الإنتاج وملاءمة مواقيت النشاطات الاقتصادية، بحيث يمكن تأمين وتيرة النشاطات الاقتصادية المختلفة في ظل توجه إلى تعايش مع الفيروس في غياب علاج حاسم عجزت عنه حتى البلدان الصناعية المتطورة بمخابرها العملاقة ومراكزها الفتاكة.
بعد الصدمة «الكورونية» وما تطلبته من تجنيد لإنقاذ المجتمع برمّته ومنه النسيج الاقتصادي الإنتاجي والمالي والخدماتي، لا ينبغي التأخر في ترتيب التوجهات المستقبلية لتفادي الانكسار، بحيث لا تتوافر كثير من السبل أمام بلد ناشئ كالجزائر، سوى التركيز على ديمومة وتيرة النشاط، بما تتطلبه من مرافقة وقائية وصحية بابتكار مناج عمل وإنتاج حديثة لا مجال فيها للركون إلى سلوكات سلبية تتخذ من الخطر الوبائي ذريعة للتخلف عن مواقع العمل دون اكتراث للتداعيات.