تحول المجتمع الدولي في زمن كورونا، الى فضاء مفتوح مغلوب على أمره، لم يعد ذلك الهيلمان يخيم على ذكر أسماء القوى الكبرى، ولم يعد النظام الدولي مخيفا او شبحا، بعدما فرض كوفيد-19 نظامه المرعب على العالم، فارضا قوته وسلطانه على الشعوب بل الأمم والأنظمة بمختلف توجهاتها.
ففي الوقت الذي تستعد فيه الأمم المتحدة والعالم أجمع، اليوم للاحتفال بـ «يوم الضمير العالمي»، لا يزال المجتمع الدولي يمارس سلطته الشمولية، تحت منطق «تخطي رأسي» رغم ان هذه الفكرة جربتها الولايات المتحدة الامريكية قبل حادثة «ووهان»، وهاهو الوباء ينتقل الى عقر دارها، مخلفا اكثر من 1500 وفاة خلال 24 ساعة.
ولعل الجزائر الاكثر حظا بعد الاجراءات الاستباقية والوقائية التي باشرتها، بالرغم من هشاشة المنظومة الصحية، لكن بالمقابل تبادر في تقديم يد العون والمساعدة حسب المقدور المتوفر، ونتيجة لسياستها الخارجية، وحنكتها الدبلوماسية، تلقت هبة انسانية مرفقة ببعثة طبية من الصين، جراء موقف انساني كانت سباقة اليه، كمؤشر حقيقي لطريق الحرير بين البلدين، ولم تكلف دول عظمى نفسها، ولو قيد انملة بالمساعدة او بالمواقف السيدة، ذلك لان هذه الاخيرة، من طبعها نسيان الدروس والمحن.
كورونا فيروس أزاح الوجه الخفي لبعض المجتمعات، كاشفا عنها الغطاء الخرافي، وبدأ السباق نحو القرصنة، يمارس في العلن، ليس باسم الشرعية الدولية، ولا باسم حقوق الانسان، ولا باسم المواثيق الدولية بين الدول، بل هو ميثاق استثنائي لمحاربة كورونا، لم تصادق عليه جمعية الامم المتحدة.
وهاهي الأخبار تتداول بسرعة انتشار الفيروس، هي اغرب الى الخيال، من أن تركيا تعترض طائرة محملة بشحنة من أجهزة التنفس قادمة من الصين نحو إسبانيا، وغير بعيد عنها، تصادر فرنسا شحنة كمامات سويدية موجهة الى نفس البلد، وتخطف تشيك شحنة كمامات موجهة الى إيطاليا.
أما ألمانيا فلم تكن أوفر حظا من سابقاتها، بعدما فقدت شحنة من ستة ملايين كمامة في المياه الإقليمية بكينيا، وحتى أمريكا تسبح في نفس التيار بعدما استحوذت على شحنة من الكمامات كانت موجهة من الصين إلى فرنسا، أما تونس فقد ابلغت أن باخرة تحمل المعقمات والكحول تمت قرصنتها في البحر.
وبقدرة غير محسوبة العواقب، تحولت دول كبرى الى ممارسات أعمال عصابات في البحر والجو، وهاهي بريطانيا التي طلقت الاتحاد الأوروبي بالثلاث، تطلب المساعدة من ألمانيا، لتزويدها بتجهيزات المخابر وأجهزة التنفس ؟
أمام هذا الصراع والتنافس خارج قواعد السوق، فإننا في الجزائر، أمام خيارين لا ثالث لهما، إما العزل والحجر الصحي، فنسيطر على الوضع ونتغلب على كوفيد 19، مثلما انتصرت الصين، أو الاستهزاء والاستهتار فتحدث لا قدر لله كارثة تتجاوز إمكانياتنا في عالم دخل في سباق من اجل كمامات وأجهزة تنفس...