عنجهية تنهار أمام فيروس مجهري

سعيد بن عياد
30 مارس 2020

أعاد فيروس كورونا (كوفيد- 19) العالم إلى نقطة البداية محطما العولمة وما يدور في فلكها، واضعا أدواتها الفتاكة في حالة عطل، غير قادرة على التحرك مثلما كانت تتمادى مستبيحة كل ما تصادفه أو يدرج في أجندتها، مسقطا شجرة التوت عن منظمة الامم المتحدة وجهازها للأمن الدولي، الذي بقي سيفا مسلطا على رقاب أمم مستضعفة مصنفة خارج بيت الطاعة لعقود من الزمن، بل وتورط بإيعاز من «كبار» العالم قبل كورونا و»مستضعفة» اليوم بعد الوباء في مشاريع اغتيال رؤساء دول(صدام حسين ومعمر القدافي) وتشريد شعوب لأهداف لا علاقة لها بالديمقراطية وما شابهها من مصطلحات، كم هي براقة لكنها كانت كلها وبالا من فقر وأمراض وتخلف لشعوب توفرت لها مقومات التنمية والرفاهية، والأمثلة ماثلة للعيان.
«كوفيبد-19» قلب موازين النظام العالمي برمته كما أخلط أوضاع مجتمعات وأفراد، واضعا الجميع في طوارئ، قد تفتح أفقا لانفراج يخص قضايا دولية عالقة لا تزال أسيرة قوى نافذة تتلاعب بها وتتاجر بمآسي شعوبها مثل القضية الفلسطينية في وقت تحل فيه الذكرى 44 المخلدة ليوم الأرض لتذكر الرأي العام العالمي والمنظمات المخولة بالآمن والسلم الدوليين أن حقوق الشعوب المضطهدة لا تسقط حتى في زمن «كورونا»، خاصة وان الفيروس كما وصفه البعض «ديمقراطي» يتسلل إلى المجتمعات المتمترسة وراء أنظمة رصد الكترونية وجيوش جرارة لا نهاية لها وأسلحة ذرية فتاكة.
تصوروا أن الوزير الأول البريطاني جونسون أصابه الفيروس التاجي في بلاد أقوى تاج، فلم تحصنه احتياطات الأمن والإنفاق الصحي، ويطرح سؤال بشان أهليته لمواصلة التأثير في القرار الدولي وهو المحجور عليه لفترة صحية معتبرة، وفي هذا رسالة إلى أولئك الجبابرة في العالم مثل الذين تصرفوا في حقوق شعوب على غرار ترامب الذي وهب الكيان الصهيوني ما لا يملك متحديا البشرية والقانون والمعاهدات، وقد حاول الانعزال عن العالم تحت شعار «أمريكا أولا»، لكنه سقط أمام الفيروس اللعين ليضطر طلب المساعدة من الصين عدوه اللّذوذ ويعيد تنشيط اتصالاته مع غريمه بوتين بحثا عن طوق للنجاة أمام هلاك قارب يحمل الجميع، وسط انتقادات لاذعة من رئيسة مجلس النواب بيلوسي التي وجدت في وباء كرونا محطة للهجوم من جددي على من رفض يوما مصافحتها في لقطة غير لائقة في بلد العم «سام».
قبله سقط الحلم الأوروبي أمام أول امتحان «كوروني» بعد أن وجدت روما نفسها في عزلة من القارة العجوز في زمن كل يبحث عن دواء ء لنفسه فلم تعد للتضامن من معان، لولا أن الشرق تحرك من الصين وروسيا لنجدة إحدى قلاع الغرب الذي رفعت فيه أصوات تكفر بالوحدة الأوروبية بعد أن سقط قناع الغش وتطالب مراجعة الولاءات، لتكون القارة العجوز في ورطة، سوف تكلفها الكثير بعد عاصفة وباء كورونا.
لكن الأمر الخطير، الذي يعزز أصحاب نظرية دخول العالم حربا جرثومية، تصميم وزير خارجية أمريكا في تصريح مؤخرا على مواصلة جنوده في مكتب الاستخبارات الفيدرالي نشاطاتهم وعمليتاهم المبرمجة دون الاكتراث للوباء، وهي إشارة بالغة الخطورة تثير تساؤلات مشروعة حول جوانب الظاهرة الكورونية، وماذا لو يتم تخصيص كل تلك النفقات المالية الهائلة لتميل برامج الوقاية من الفيروس وتصنيع أجهزة التنفس الاصطناعي التي يحتاج إليها المواطن الأمريكي في هذه اللحظة بين الحياة والموت.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19524

العدد 19524

الإثنين 22 جويلية 2024
العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024