معًا لتجـاوز الظـــــرف

سعيد بن عياد
20 مارس 2020

ما كان يعتبره البعض غير وارد يتأكد كل يوم مع ارتفاع حصيلة ضحايا الفيروس القاتل بتسجيل أول أمس 8 حالات جديدة بفيروس كورونا ليرتفع إجمالي المصابين إلى 90، منها 8 وفيات. فيما اتخذت تدابير فرض الحجر على أعداد هائلة من الذين تم إجلاؤهم من الخارج لتأمين الوضع الصحي.
الحقائق على الأرض أزاحت أقنعة الشك وارتدى أصحابها أقنعة واقية من وباء لا يترك فرصة تردد أو ريبة الا وتسلل منها ليضع مجتمعا برمته على درجة من الخطورة، تستوجب بناء موقف جماعي قائم على ثقافة المواطنة والتحرك الطوعي لإنقاذ البلاد، في وقت كل الأمم بادرت إلى مثل ذلك تفاديا للكارثة.
لكن بالمقابل، يرصد مؤشر إيجابي عكسته الأيام القليلة الماضية بتسجيل ارتفاع في مستوى الحس المدني، بالتزام شرائح واسعة من المواطنين بإجراءات الوقاية من وباء «كوفيد-19» الذي تحول إلى انشغال شامل للجزائريين ملتفين حول المسار الاحترازي الذي سطرته الدولة لإبعاد الفيروس الشبح وإلحاق الهزيمة به بأقل كلفة وفي وقت قياسي، تفاديا لتكرار ما حصل في بلدان وراء البحر، رغم تقدمها وبلوغ شعوبها درجة عالية في التطور.
البشر هم البشر، لما يلوح الخطر يلتفون حول بعضهم البعض ويراجعون الأولويات للنجاة من وباء يستثمر في مناخ التردد والتهاون والاستهانة بمداه القاتل للأمل والمدمر للحياة، لا يفرق بين الأشخاص ومراكزهم الاجتماعية.
لذلك، جسد الجزائريون لوحة تليق بما يتميزون به من وعي ووحدة وانسجام تعكس الصورة الأصلية لشعب يعرف كيف يلبي النداء لما يتعلق الأمر بمستقبله ومصيره في عالم أصبح فيه كل بلد يحاول النجاة من كماشة «كورونا». علاوة على مبادرات للنظافة والتطهير وعمليات تطوعية عبر مختلف جهات الوطن، لتدارك الموقف وقطع الطريق أمام تسلل الوباء الصامت، كان لزاما اتخاذ القيادة العليا قرارات قوية وجريئة وصارمة للإبقاء على الوضع تحت السيطرة قبل فوات الأوان، خاصة وان بلدانا كبرى تدفع اليوم ثمن التردد.
أمام ما يحمله الوباء، وبالنظر للتداعيات، كان عين الصواب إقرار جملة القرارات من وقف للنقل الجماعي بكل أنواعه وقبله غلق للحدود وبعده غلق المواقع التي يجتمع فيها الناس من تعليق للصلاة في مساجد الجمهورية وغلق للمطاعم والمقاهي وفي أول تحرك توقيف مؤقت للدراسة، كون دفع الضرر عن البشر مسألة حيوية تقرها الشرائع والقوانين وتفرضها روح المسؤولية في ظل انزواء كل بلد على نفسه لمعالجة أوضاعه، حماية للصحة العامة مصدر كل جهد انساني وطاقة التطور في مواجهة ما تحمله العولمة وما خفي أعظم يتطلب تجنيد كل الموارد وإرساء الاحتياطات لتفادي أي طارئ.
عندما ينخرط الشارع وكافة الشركاء، بمن في ذلك من يصنفون في خانة المعارضة، في مسار وطني شامل، يستشف أن هناك بارقة أمل بعودة الوعي الجماعي المطلوب لتجاوز الظرف بكل تداعياته، من بوابة التصدي لكورونا إلى مواجهة باقي الظروف الاقتصادية والاجتماعية، بما فيها أخلقة الحياة العامة بكسر ممارسات بقايا العصابة من تجار مزعومين، مضاربين وبيروقراطيين وكل من يقف في وجه التغيير الشامل نحو إقامة جزائر تذوب فيها الفوارق وتتفوق فيها الكفاءة وتسقط فيها متاريس المصالح غير المشروعة.
الرسالة التي تستخلص من الهبة، التي تحتاج إلى مزيد من التأطير والمنهجية لتثمين الإمكانات، أن أسباب العلاج موجودة ومنها العمل على إعادة بعث انطلاقة جديدة لرد الاعتبار للصحة العمومية وتنمية البحث في فروع لها علاقة بالأمن الصحي وإزاحة نهائيا كل فيروسات الفساد بشتى أنواعه، بدءا بتجار فجّار لم يعد لهم مكان في جزائر القانون وأفعالهم لا تقل خطرا عن إرهاب سقط بالأمس أمام إرادة الشعب الجزائري المتين بوحدته والمنيع برصيد تاريخيه.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19634

العدد 19634

الأربعاء 27 نوفمبر 2024
العدد 19633

العدد 19633

الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024