الجراثيم الغريبة، لا تعترف بالأعراف الدبلوماسية، ولا تمتثل للأوامر الأمنية، ولا تستجيب للنداءات السياسية والثقافية، ولا تقبل بالتعاليم الدينية، اسلامية كانت، مسيحية أو دونكشوتية، وغيرها من التعاليم الأخرى، فهي مخلوقات مجهرية عابرة للقارات، الجغرافيا بالنسبة لها، خطوط مفتوحة على مصراعيها، لا تمتثل للتاريخ، ليس لها عمر قائم فهي من الأزل ولا تستند الى ذاكرة لأنها من العدم، تنتشر بشكل مذهل وخطير، لتقود حربا جرثومية، تعجز في مكافحتهامخابر البحث ومصّحات العالم.
إن مكافحة هذا الكائن المجهري، ليس مهمة السلطات المركزية لوحدها، بل مهمة الجميع، فكل فرد من المجتمع، هو جندي في ساحة المعركة، بيده الأسلحة لمجابهة ذلك، وأي تريث أو اخلال بالتعليمات الوقائية، سيؤدي الى عواقب ثم ينتقل الى المحيط، وهنا تزداد طرق العدوى، أمام المنظومة الصحية الهشّة التي نعيشها.
اجراءات غلق الحدود، وتوقيف الرحلات الجوية من الجزائر نحو دول العالم ومثيلها، وغلق المدارس والجامعات ومراكز البحث، وكل مراكز التكوين المختلفة، تعليق كل التجمعات والنشاطات الثقافية والعلمية بكل أنواعها الى غاية 5 أفريل، لإبطاء تفشي الفيروس، وانتقال العدوى، بعد تسجيل حالتي وفاة، وأكثر من ثلاثين حالة إصابة مؤكدة، إنما يدخل في اطار الاجراءات الوقائية الاحترازية، بما فيها توقيف اجراء المباريات والدورات الرياضية، ولن تكون بيوت الله في منأى عن هذا الخطر الداهم.
مخلوقات مجهرية تغزو العالم، تقود حربا عالمية دون وكالة، لا تستعمل الأسلحة الحربية، ولا الصواريخ الطويلة المدى، ولا الصواريخ العابرة للقارات، لا تكشفها الرادارات ولن تمنعها المنظومات الدفاعية، من مهاجمة ضحاياها من البشر، فهي ليست في حاجة الى طائرات «الدرون»، حتى تنتقل الى ضحاياها، بل مجرد استنشاق لهواء عابر مسموم، أو ملامسة.
وفيما أعلنت دول عظمى حالة الاستنفار ودرجة التأهب القصوى، مفضلة العيش في عزلة دولية، على ان تغرق في الوباء، تبقى شعوبنا تستخف بالتحذيرات، وكأن الأمر لا يعنيها، معتقدة أنها تعيش في كوكب لا يصل إليه فيروس كوفيد 19.
صحيح، الحراك الشعبي، أبهر العالم بسلميته، وعليه ابهار العالم اليوم بتوقفه عن الخروج الى الشارع، حفاظا على صحة المواطنين، وسلامة الوطن، فالتجمعات الكبرى في الشوارع بؤرة لتفشي الفيروس وانتقاله بشكل سريع، ما يعرض أرواح الناس الى مالا يحمد عقباه، وعوض المحافظة على السلمية، نغرق في الاصابة بالفيروس، ساعتها نقول ليت الذي حدث لم يكن، وينطبق علينا مثال « على أهلها جنت براقش».
فإذا كان وعي الأمس قاسما مشتركا، تجسدت من خلاله الكثير من المطالب، فإن أصحاب الوعي، اليوم، مجبرون بوضع نقطة التوقف والتريث، حتى يتبين الخيط الأبيض من الأسود، والخروج للشارع يهون أمام حالات وفيات أخرى، كان يمكن تجازوها بكثير، ولا نقول «الدنيا هانية والبراك يعوم»، لأن العوم حينها سيكون في المستشفيات التي تعجز في التكفل، أمام تفشي الوباء وانتشار العدوى بشكل غريب.