لا يمكن أن يمرّ خبر استقالة المبعوث الأممي الى ليبيا غسان سلامة دون أن يطرح الكثير من التساؤلات عن أسباب هذه الاستقالة وتوقيتها، ودون أن يثير الكثير من المخاوف عن تداعياتها على الأزمة التي تعصف بهذه الدولة منذ ما يقارب العقد من الزمن، وتأثيراتها على جهود حلّها التي لم تحقّق أيّ تقدّم يذكر برغم اللّقاءات والمؤتمرات الدولية التي عقدت لأجل ذلك.
غسان سلامة ودون مقدّمات، رمى المنشفة وقرّر الرحيل وعزا السبب الى عجزه صحّيا عن مسايرة وتيرة الاجهاد التي يعمل بها على تسوية الملف الليبي المعقّد منذ عامين ونصف، ليكون بذلك سادس مبعوث أممي يغادر تاركاً الأزمة الليبية دون حلّ، ومخلّفاً وراءه تساؤلات عديدة حول الدوافع الحقيقية لانسحابه وتداعيات ذلك على العملية السياسية في ليبيا، ودلالات توقيت الاستقالة، التي تزامنت ودفعة قوية شهدتها جهود التسوية مع انطلاق المسارات السياسية والعسكرية والاقتصادية بين طرفي الصراع في جنيف تنفيذا لما أوصى به مؤتمر برلين المنعقد في جانفي الماضي.
لقد تم تعيين غسان سلامة مبعوثاً خاصاً للأمم المتحدة إلى ليبيا في 16 جوان 2017 خلفاً للألماني مارتن كوبلر، وارتاح كثيرون لاختيار هذا الوسيط لسبب بسيط وهو أنه ينتمي لدولة عربية «لبنان» عانت ويلات الحرب الأهلية، ويملك اللّغة التي تمكّنه من الاتصال بالفرقاء اللّيبيين دون مترجم، لكن مع مرور الوقت أخذ سقف التوّقعات بقدرة سلامة على تحقيق ما عجز أسلافه عن تحقيقه ينهار، وتجلّى واضحا بأن المبعوث الأممي الجديد يدور في حلقة مفرغة، خاصة بعد أن أصبحت الأزمة الليبية كالكرة تتقاذفها الكثير من الجهات، وبعد أن تأكد بأن حل هذه المعضلة يتجاوز الليبيين أنفسهم ويمتدّ إلى دول خارجية جعلت من ليبيا ساحة لحرب بالوكالة تخوضها لأجل تحقيق مصالحها الخاصة في هذه الدولة الغنية بالثروات، وذات الموقع الاستراتيجي.
لا شك أن أسبابا كثيرة غير العامل الصحّي دفعت غسان سلامة للاستقالة، يمكن حصرها جميعها في عجزه عن مواجهة مناورات أطراف الأزمة الداخليين والخارجيين على حدّ سواء، الذين أظهروا ولازالوا مقاومة شرسة لكل مبادرات التسوية السياسية، وحسموا أمرهم بالرهان على الخيار العسكري الذي نراه مفروضا في الميدان، ما أجهض ولازال كلّ هدنة وكلّ اتفاق لوقف إطلاق النار، لهذا فإن القول بأن غسان سلامة أو الأمم المتحدة فشلت في إدارة الملف الليبي وحلحلة خيوطه المتشابكة، هو قول بعيد عن الواقع والحقيقة، لأن المنهزم الحقيقي، هم اللّيبيون أنفسهم الذين ينساقون منذ سنوات بدفع من أجسام خارجية متآمرة الى سفك دماء بعضهم البعض وتدمير بلادهم والزجّ بها في أتون حرب أهلية سوف تمتدّ شظاياها الحارقة لتؤذي الجوار والإقليم على حدّ سواء.
ستة مبعوثين أمميين تسلّموا الملف الليبي منذ 2011 ورحلوا دون تحقيق تقدّم ملموس، ولا أعتقد بأن مفتاح الحل هو بيد الأمم المتحدة أوممثليها مهما كانت قوّة تأثيرهم، فكلّ التجارب تعكس فشل المقاربات الأممية في الدول التي تعاني مشاكل ونزاعات مسلحة، الحلّ كما قلته وأكرّره، هو بيد الليبيين الذين عليهم التوقّف عن سياسة جلد الذات التي أدمت البلاد، وتجاوز الأحقاد والانقسامات التي حفرت أخاديد عميقة في المجتمع ونسفت وحدته، ليعيدوا جمع صفوفهم والجلوس مع بعضهم البعض للبحث عن مخرج آمن لمعضلتهم، فلا حلّ يأتي من الخارج وكفى عبثا بأمن ليبيا والمنطقة.