تثير الحصانة البرلمانية جدلا واسعا في أوساط المجتمع وتزداد حدّتها في أروقة الهيئة التشريعية، بعد أن تقدمت وزارة العدل بطلبات لرفعها عن عديد النواب بخصوص قضايا فساد، لكن المعنيون رفضوا الاستجابة.
هناك نواب قبلوا قواعد اللعبة وفضلوا التنازل عن الحصانة طوعا وبقناعة، مطبقين المثل الشعبي، «الطير الحر كي يتحكم ما يتخبطش»، وهو موقف جدير بالاحترام. غير أن هناك نواب معنيون، يفضّلون التمترس وراء جدار الحصانة، في انتهاج سياسة الهروب إلى الأمام بدل مواجهة الحقيقة بكل شجاعة لحفظ ماء الوجه. علما أنه في وقت مضى سبق أن وافق برلمانيون على إسقاط الحصانة عن زملاء لهم بدون حرج.
أمام هذا يطرح سؤال بعلامة استفهام كبيرة بشأن مصداقية تولي النيابة البرلمانية، في وقت قطعت فيه البلاد مرحلة جديرة بالمرافقة على مسار دولة المؤسسات وسلطان القانون وأن ممارسات عهد «العصابة» ولّى، ولا يمكن لأي كان الإفلات، كون الظرف الراهن للشفافية وتجسيد مبدأ المساواة أمام القانون.
الحصانة «برنوس» الكرامة والشرف والأنفة، وليست رداء للتخفي والتملّص، كما أنها ليست قناعا لممارسات خارج القانون، مهما كانت طبيعتها، وبالتالي فإن صلاحيتها تشمل في الجوهر أفعالا ذات صلة بالعمل البرلماني لا أكثر، بحيث لا يعقل إطلاقا تحويلها إلى درع للتهرب من المسؤولية بشأن قضايا لا علاقة لها بالعمل البرلماني، بل تقع تحت طائلة المتابعة الجزائية.
الفساد آفة أنهكت البلاد وأوصلتها إلى مرحلة كادت أن تنهار، لولا إدراك الموقف بإنهاء مغامرة أخذت في طريقها طيلة سنوات خيرات البلاد، حتى اقتلعت الأمل من نفوس أجيال بكاملها، معرضة خيرات بلد بحجم الجزائر للعبث بشتى أساليب النهب والتبديد والخيانة، بما فيها تهريب العملة الصعبة ونهب قوت المواطنين.
لقد تسلل المال الفاسد إلى مؤسسات مفصلية، محدثا فجوة بين الشعب وممثليه وهو ما يتصدى له حتما مشروع مراجعة الدستور الجاري إعداده ضمن رؤية ترسمها معالم التغيير الشامل والبناء، بما يقود إلى تصحيح الاختلالات ومنها بالتأكيد مسألة الحصانة البرلمانية التي لا ينبغي أن تضع أصحابها فوق القانون، حتى لا تتشكل نماذج لعصابات من نوع آخر، تلعب على تناقضات التشريع وتداخل الصلاحيات تحت غطاء مفاهيم مغشوشة لم يعد لها مكان.
في هذا الإطار، جدير بأن يتم إحداث آليات مرنة تضيّق مساحة المناورة لمن يسعى للإفلات من مسألة أو الهروب من متابعة ومن ثمة الحفاظ على المركز النبيل للحصانة، باعتبارها صمام أمان من يحملها في تأمين قيامه بمهامه النيابية بكل حرية، دفاعا عن موقف أو توجيه نقد أو كشف قضايا تتعلق بالوطن والشعب، وبالتالي لا يمكن أن يستمر مفعول حصانة تعطي لمن يسقط في المحظور إمكانية البقاء خارج إطار القانون الذي يبقى نفسه لكافة المواطنين تسقط أمام المناصب والنفوذ.