مرّة أخرى أكدت تونس أنها دولة قادرة على تحقيق الاستثناء في عملية التغيير العربي السلمي، وبأنها ماضية في إنجاح مسارها الديمقراطي برغم الصعوبات التي تعترض طريقها الانتقالي.
فبعد شدّ وجذب استمرّ لشهر كامل، وتعثّر كاد يؤديّ إلى انتخابات تشريعية مبكّرة، وفّقت الشقيقة تونس في اجتياز الامتحان الصّعب لتحصل حكومة السيد إلياس الفخفاخ على ثقة البرلمان بأغلبية مطلقة، وتنجح فيما فشل فيه الحبيب الجملي.
لكن إذا كان التونسيون قد تنفسوا الصعداء بعد تجاوز الانسداد الذي عطّل تشكيل الحكومة الجديدة، وأكّدوا للعالم بأنهم ملتزمون بالانتقال السياسي السلمي وبتجاوز كلّ العقبات بالحوار وبتغليب المصلحة العليا للبلاد، فإن القول بأن حكومة الفخفاخ ستعمل في طريق معبّدة بالورود، هو قول مجانب للحقيقة تماما، لأن الحكومة التونسية الجديدة التي ترفع شعار «حكومة الوضوح وإعادة الثقة»، تعترضها العديد من المشاكل والتحديات التي تطرحها «اللحظة التاريخية» أو «المنعرج التاريخي»، على حد تعبير الفخفاخ نفسه.
خطوة موفقة قطعها التونسيون إذن، ودرس جديد قدّموه للعالم ولبلدان التغيير العربي على وجه التحديد، لكن طريق النجاح لا زال طويلا، والعمل يجب أن يتركّز اليوم على تحقيق الانتقال الاقتصادي والاجتماعي وتجاوز المصاعب الكبيرة التي تعترض تونس.
وتمثل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد، والتحديات الإقليمية التي يفرضها الوضع في الجوار الليبي، أبرز أولويات الحكومة الجديدة؛ ويأتي على رأس هذه الأولويات، إنعاش الاقتصاد بإجراءات عاجلة، ومحاربة البطالة ومن خلال ذلك تحسين القدرة الشرائية ومقاومة الاحتكار والتهريب، وتفعيل الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، وتعبئة الموارد الضرورية للدولة لسنة 2020، ومواصلة مكافحة الإرهاب.
تونس اليوم أمام منعطف جديد، سيكون صعبا بالتأكيد، لكن اجتيازه لن يكون بالأمر المستحيل، ما دام التونسيون مصرين على الاعتماد على سواعدهم وعلى الإمكانيات التي توفّرها بلادهم لتحقيق الانتقال الاقتصادي والاجتماعي بنجاح تامّ.