الدعوات السياسية للقيادة الصحراوية إلى الأمم المتحدة بالتحرك السريع لوضع آليات عملية لتسوية ملف الصحراء الغربية، منها تعيين المبعوث الخاص واستئناف مسار الحل، إنما تخاطب الشرعية الدولية في الضغط على المغرب، القوة المحتلة، للكف عن التعنت في تعطيل هذا المسار عمدا وعدم تركه يبلغ مداه القائم على الإجماع في السعي من أجل التوصل إلى الوضع النهائي الوارد في قرارات مجلس الأمن.
هذا الخيار السلمي، الذي يستند إليه الصحراويون، نابع من قناعاتهم، بأنه لا بديل عنه في الوقت الراهن، بالرغم من شعورهم أحيانا، بأن هناك تماطلا غير مفهوم لا يمكن القبول به، كونه مضرا بالقضية الصحراوية إن تواصل على هذا النمط، ونقصد هذا الفراغ الذي فرضه المغرب بالتواطؤ مع فرنسا، إذ كيف يفسر تجاهل تعيين المبعوث الأممي الجديد بعد ممارسة ضغوط رهيبة على كوهلر لمغادرة منصبه، وهو الذي كان على وشك إقامة قواعد سليمة لتنظيم الاستفتاء، لكن تلك القوى الخفية نسفت كل شيء أنجز في هذا الإطار.
لابد إذاً من سد هذا الفراغ، إن آجلا أم عاجلا، وفق ما تمليه اللوائح الأممية الصادرة في هذا الشأن والتي تشدد على ضرورة تقرير مصير الشعب الصحراوي وهذا لم يستسغه المغرب كليا، لذلك يعمل كل ما في وسعه من أجل الإطاحة بأي مشروع في هذا الاتجاه. وما يزعجه ويقلقه هو وجود هذا المبعوث الأممي الذي لا يريده أن يكون أبدا حاضرا في إدارة هذه القضية، بدليل أنه صنف كريستوفر روس شخصية غير مرغوب فيها ممنوعا عليه دخول أراضيه. لم يحدث مثل العمل بتاتا في حوليات النشاط الديبلوماسي في العلاقات الدولية... وغادر روس المنطقة في هدوء تاركا الجمل بما حمل لتأتي شخصية أخرى ألا وهو كوهلر الذي تحمس لهذه المهمة، لكنه في كل مرة يعود من المغرب منهارا نفسيا في حالة سيئة، نظرا لما سمعه من المسؤولين في الرباط وهو ما يتناقض مع كل ما كان يحمله من اقتراحات بناءة وأفكار مثمرة لإنجاح ما كلف به. وهنا شعر بأن الآخر ليس شريكا مؤهلا قصد الذهاب إلى آفاق ثانية وهكذا دُفع إلى التخلي عن منصبه.
بالتوازي مع كل هذا، كان المغرب يشوش على الصحراويين تشويشا غير مسبوق في حملة ممنهجة، رفقة بعض من حلفائه في أكثر من موقع دولي، مستعملا الدعاية الهدامة والإشاعة المغرضة ضد الصحراويين. ووصل به الأمر الى تحوير وتزييف البيانات المحررة على مستوى مكتب الصحافة الأممي، باستبدال المصطلحات، ناهيك عن محاولات الاعتداء الجسدي على الوفود الصحراوية المشاركة في المحافل القارية والعالمية واستفزازهم بكلام غير مسؤول.
هذه الحقائق الساطعة، لا يمكن إخفاؤها أبدا أو القفز عليها وهي مرجعية ثابتة بالنسبة للأمم المتحدة في تناولها لهذه القضية المصيرية، من زاوية حقوق الشعب الصحراوي غير القابلة للتصرف، وتصريحات غوتيريس الأخيرة تسعى للتفاعل مع الدعوة الجزائرية الأخيرة المتعلقة بإحياء العملية السياسية في الصحراء الغربية وتسمية المبعوث الأممي الخاص.
وما على الأمين العام إلا التعجيل بتكليف شخصية مميزة تحمل كل المواصفات المطلوبة لمثل هذه النزاعات الطويلة والمتعلقة أساسا بتقرير مصير الشعب الصحراوي والمراجع المؤسساتية الإفريقية والأممية، في أي مسعى مستقبلي.
ومهما حاول المغرب غلق هذا الملف، فإنه لن يستطيع ذلك حتى وإن استعان بخططه الجهنمية، كفتح قنصليات وهمية في العيون لبلدان إفريقية ليست لها جالية هناك، فلماذا هذا التخبط العشوائي؟ الملاحظ عند هذا البلد خلال الآونة الأخيرة، توجهه نحو أساليب التحايل على حساب المؤسسات الشرعية القارية والدولية القائمة.
وبالتأكيد، فإن صوت الشعب الصحراوي سيدوّي مرة أخرى على الصعيد الدولي، لأنه يناشد الحق والعدالة والإنصاف وسيجد ذلك قريبا لدى كل القوى المحبة للسلام في هذا العالم.
خبْطَة... عشواء
جمال أوكيلي
29
فيفري
2020
شوهد:269 مرة