خوف أكثر من الأذى، إلى اليوم، هي صورة المشهد الراهن في مواجهة خطر فيروس «كورونا» الذي يضع العالم برمته، خاصة في أوروبا من خلال إيطاليا، وآسيا من خلال الصين موطن الداء وإيران، على أهبة الاستعداد لطوارئ بدأت في الواقع تتجسد في مناطق محددة بمنع التنقلات، وقف رحلات الطيران وتشديد المراقبة على الحدود.
في الجزائر، بالموازاة مع مراقبة الوضع من الأول، تحركت السلطات المعنية بتوجيهات من الرئيس تبون شخصيا ومتابعة حثيثة من الوزير الأول، خاصة عن طريق وزارة الصحة، للتحكم في أي تطور سلبي محتمل، خاصة بعد رصد حالة مشبوهة بالإصابة تمثلت في رعية إيطالية ظهرت على صاحبها أعراض تثير القلق، قبل التصرف وفقا للإجراءات المسطرة قبلها تم إخضاع رعايا جزائريين ومغاربيين استقدموا من مدينة «ووهان» الصينية فور إعلان الوباء، للحجر الصحي طيلة 14 يوما حتى تبين أن الخطر غير موجود ليخلى سبيلهم.
إلى جانب وضع نظام للمراقبة على مستوى المعابر الحدودية، خاصة المطارات والموانئ، تم تخصيص رقم هاتف أخضر «30-30» للاتصال على مدار اليوم، يتكفل بموجبه أطباء أخصائيون في الأمراض المعدية بالتوضيح والتوجيه والمرافقة لأي طلب ذي صلة بالداء. فيما تم العمل على مستوى التحضير المادي والدوائي للتكفل بالحالات المشبوهة والتأكيد على ضرورة رفع أداء المؤسسات، التي تنتج مواد مطلوبة، مثل الكمامات الواقية، من وتيرة الإنتاج لتعزيز المخزون الصحي وتوزيعه وفقا لخارطة متوازنة ومدروسة حسب معايير علمية ومؤشرات تساعد على رسم خطة فعالة قادرة على التكفل بالحالات المحتملة.
لكن وراء كل هذا العمل، الذي يتم في العمق، في ظل ما يعرفه القطاع الصحي من اختلالات ونقائص، ينتظر أن تتم معالجتها ضمن تجسيد مخطط الحكومة في الشق الخاص بإصلاح الصحة العمومية، من بوابة إعادة تأهيل المستشفيات العمومية وتحسين دواليب عملها على مختلف المستويات المناجيريالية والطبية والعلاجية لإرساء معالم أنسنة حقيقة، الأمر الذي يعزز القدرات الدفاعية في حال انتشار وباء مثل «كورونا»، الذي ينبغي الشروع في التعامل معه مبكرا عبر مخططات وقائية متكاملة ترتكز على إطلاق عمليات تنظيف واسعة للمحيط والمركبات الجماعية وتطهير الفضاءات الكبرى، مثل المدارس والجامعات والساحات العامة.
وتقع على الوسائل الإعلامية المختلفة، من منطلق الخدمة العمومية، مهمة ذات أهمية قصوى في تقديم إعلام وقائي حقيقي وجواري أكثر من السقوط في ممارسة اتصال تهويلي يزيد من تعقيد الوضعية، خاصة وأن المجتمع الجزائري يتميز بحساسية كبيرة لما يتعلق الأمر بالصحة وهذا بحد ذاته مؤشر إيجابي يمكن البناء عليه، لبناء جبهة صحية داخلية قائمة على المعلومة الدقيقة والتوجيه السليم.
في هذا الإطار، كان طبيعيا أن تواكب شركة النقل الجوي الوطنية التحذيرات بوقف رحلات العمرة إلى البقاع المقدسة إثر إعلان السلطات السعودية تحذيرا بمنعها استقبال المعتمرين، وقايةً من أي خطر وارد، خاصة وأن بلدان الجوار هناك سجلت إصابات مؤكدة يمكن توقع تداعياتها، في حال تسللها إلى محطات ذات كثافة بشرية مثل العمرة وغيرها من المواعيد الدينية الكبرى.
بلا شك أن الآثار السلبية للوباء تتعدى سوق المحروقات، التي عرفت تهاوي أسعار برميل النفط بحجم غير مسبوق منذ سنة، لتشمل شركات الطيران والملاحة البحرية وكل ما يدور في فلكها، مما يستوجب اتخاذ ترتيبات بديلة لضمان ديمومة النشاط بإعادة توجيه دفة العمل نحو مقاصد أخرى كالسياحة الداخلية وهنا تظهر مدى قدرة المؤسسة الجزائرية على التعامل الذكي مع التغيرات.