لم يعد القراء يولون القافية والقصيدة الموزونة أو شعر التفعيلة أو الشعر الشعبي أو الحر الكثير من الاهتمام في أيامنا هذه ولم يعد الناشرون يتحمّسون كثيرا لإصدار الدواوين الشعرية ولا أهل الثقافة يحركون ساكنا لتشجيع الشعراء وإنصاف إبداعاتهم.
هي حقبة جفاف بالنسبة للقصيدة وأهلها، الذين، جعل الكثير منهم، تقنية الفيديو وصفحات المجّلات الالكترونية وكذا مواقع التواصل الاجتماعي ملاذا له ولنتاجه الأدبي. فضاء يجدون فيه قراء ونقادا ومشجعين لحروفهم وقوافيها.
سنوات عجاف يعيشها هذا الجنس الأدبي الذي عرف في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، عصره الذهبي، فذاع صيت الشعراء الجزائريين في كل صوب ومحفل محلي ودولي، وانتعش خلالها مجال إصدار الدواوين الشعرية، مستفيدا من دعم السلطات وتشجيعها لأهل الفن والثقافة.
وإن تعدّدت أسباب عزوف القراء عن اقتناء دواوين الشعر والاهتمام به، فقد وجد له، أي «الشعر» بالموازاة متنفسا في الملتقيات وبعض الأمسيات الشعرية، التي يعرف عنها تنظيمها على شكل حلقات مغلقة لا يرتادها سوى مجموعة من المقربين وبعض الهواة فقط، كما لجأ الكثير من الشعراء إلى النشر الإلكتروني، راكبين بذلك موجة العصرنة ومواكبة التكنولوجيات الحديثة. لكن هذا الفضاء فتح للأسف مجالا لكل من هبّ ودبّ لينصب نفسه أديبا كبيرا وشاعرا مخضرما، بعد نشره لخربشاته لا تمتّ للقصيد بصلة وتحصيله على عدد من «الجامات» وتعليقات المجاملة، وفتح الباب أيضا أمام نوع من الغطرسة وجنون العظمة والكثير من السطو على كتابات الآخرين، وهو ما لا يخدم الشعر ولا الشعراء الذين ينتظرون من يعيد للشعر بريقه وعصره الذهبي.