تحتفي لغة الضاد بيومها العالمي هذا 18 ديسمبر في ظل عولمة شرسة لا تستهدف الهيمنة الاقتصادية والسيطرة على السوق ومناطق النفوذ فقط وإنما تضع هذه اللغة في صميم مخططاتها التوسعية عبر وسائل التواصل الاجتماعي وأدوات التكنولوجيات الجديدة. لغة بكل المقاييس التاريخية والعلمية والأدبية والاقتصادية لا تزال تواجه معركة البقاء بالنظر للحيز الكبير الذي اكتسحته فواكبت مراحل مر بها العالم بين نجاحات وإخفاقات، لتبقى على نفس الدرجة من الصلابة والقوة تصبو إلى البقاء في الصدارة ضمن أقوى اللغات في العالم وأعذبها.
جماليتها ودقتها وانسجام تراكيبها منحها مركزا في عالم الآداب والعلوم وتقاوم حتى في عقر دارها للدخول إلى باحات الاقتصاد والتكنولوجيا، وهي مسألة ليست غريبة على لغة حية في الأصل، لولا أن من ينتسبون إليها وقعوا في أخطاء وخطايا كلفتها ما لا تحتمل ولا تتحمل مسؤوليته. والجزائر كانت أول بلد، وبلسان رئيسها الراحل هواري بومدين، يتحدث باللغة العربية في أفريل 1974 داخل مقر الأمم المتحدة، التي اعتمدتها سنة من قبل، عرفانا لها وللشعوب الناطقة بها، ما يؤكد قوتها في التواصل وقابلية الاندماج في العالم باختلاف ألسن الشعوب وتنوعها.
هذا الرصيد الهام يمكن البناء عليه للرفع من مرتبة اللغة العربية، المكرسة دستوريا بشكل معتبر، والمحاصرة في أكثر من موقع، خاصة ضمن دواليب المنظومة الاقتصادية والإدارية، التي لا تزال بعض الجهات تثير الريبة وتروج لصورة نمطية غير صحيحة، لفائدة لغة أجنبية هيمنت طويلا على المشهد وتستفيد من مرافقة محيط يعاني بعض أطرافه من عقدة المدرسة الكولونيالية، ومنهم من هو مغلوب على أمره وآخرون تحركهم أغراض إلى درجة تشكيل صورة مفبركة عن صراع بين العربية وشقيقتها الأمازيغية لخدمة الفرنسية، إنها الحقيقة.
غير أن اللوم يقع أيضا على المنتسبين لها والناطقين بأحرفها الجميلة الخلاقة للإبداع بشهادة العجم أنفسهم، ففي حالات كثيرة «هم من جنوا عليها ولم يجن عليها غيرهم» بالنظر لضعف الاجتهاد والابتذال في الحديث بها وغياب الحرص على استعمالها في الحياة اليومية، بل حتى في مواقع تعتبر نوعية فغالبا ما تعاني لغتنا من ممارسات أبنائها التي تزيدها معاناة وتضاعف مبرّرات من يتربص بها. لكن هذا لا يعني الانغلاق بل التفتح دوما على باقي لغات العالم، إنها مسؤولية الأسرة، المدرسة والمحيط أيضا.