الخرجة الأولى لعبد المجيد تبون بثوب رئيس الجمهورية المنتخب، في ظل حركية شعبية جعلت من التقدم للمسوؤلية تحديا لا يمكن رفعه إلا ممن يتوفر على رباطة جأش وقناعة راسخة بخدمة البلاد والتوجه إلى طلب الشرعية من صاحبها الشعب الجزائري، صاحب السلطة بدون منازع، أظهرت وجود إرادة لتغيير نمط الخطاب وإبعاد مصطلحات وممارسات كانت في السابق أحد مصادر توسيع الهوة بين الرئيس والشعب إلى درجة القطيعة، بعد أن تفاقم تعسف العصابة وبلغ ما ارتكبته من نهب وتبديد للمال العام للمواطن حدا لا يطاق.
تبون ظهر بصورة الرجل الواثق الذي يدرك مكنونات المواطن الجزائري الذي لا يبدي أي مجاملة تجاه من يمثله إذا حاد عن السبيل المحدد ضمن التزامات الحملة الانتخابية، وليشد على يديه كلما وفّى والتزم وبذل العناء والتحمل من أجل شعبه، في إطار احترام وإخاء يستمد معانيه من قيم نوفمبر وتقاليد العائلة الجزائرية الأصيلة، التي تعرف كيف تعالج قضاياها وتسوّي خلافاتها دون الإضرار بالبيت أوالخيمة وهنا بالوطن الذي يحتضن الجميع بمختلف التوجهات وبغض النظر عن السلوكات مهما كانت معوجة أو مستقيمة.
لعل من أبرز ميزاته أنه يمقت تلك المصطلحات المبالغ فيها التي سادت في سنوات مضت إلى درجة شخصنة المؤسسات وإفراغها من محتواها، ما ساهم في إحداث هوة واسعة بين الدولة ومواطنيها زادها استشراء الفساد اتساعا، وتفضيل انتهاج أسلوب إدارة الشؤون العامة للبلاد بروح التواجد في الميدان حيث لا مكان للإطراء وكل ما يصنف في تمجيد الشخص، وإنما المرحلة للتشمير على السواعد والعمل بكل ما يتطلبه الظرف من جهود مضاعفة وتفان في الأداء بحيث كل قول ينبغي أن يترجم إلى فعل، لإعطاء معنى صحيح وناجع للوطنية الصادقة التي تتجاوز بكثير شعارات يتاجر بها البعض ويختفي وراءها البعض الآخر.
لقد أسقط التوجه الجديد للجزائر بمرافقة الجيش الوطني الشعبي الذي انحاز في اللحظة الأولى من الديناميكية الاحتجاجية الشعبية قبل عشرة أشهر ممارسات كلفت الجزائر الكثير على مختلف الأصعدة خاصة الاقتصادية منها، التي تحتاج اليوم إلى لغة الصراحة والواقعية والتبصر الهادئ أمام أمهات المشاكل التي تتطلب المرور إلى سرعة متقدمة تندمج فيها كل القوى الفاعلة التي أكدت إيمانها العميق بالتغيير السلمي والهادئ والدقيق، بما يفسح المجال أمام الشباب والكفاءات في كل القطاعات لتجسيد إرادة البناء تحت مظلة الوطن الواحد، الذي يواجه ظروفا محلية وخارجية لا مجال فيها للتردد والبقاء في موقع المتفرج بالاكتفاء بمكاسب تحققت في الماضي البعيد وأخرى حققها الريع النفطي، ومن ثمة ينبغي أن يلتقط كل شريك مهما كان دوره بسيطا خيط الإمساك بالنمووالمساهمة ولو بالحد الادنى في تنشيط الحركية على امتداد الجغرافيا بالعمل والاستثمار واقتصاد النفقات والحفاظ على الأملاك العمومية وحسن استغلالها.
لقد فعل الفساد فعلته الكبرى وأصاب الأمن المالي في مقتل لولا أن القيادة العليا سارعت إلى تفكيك المؤامرة وإسقاطها وهوما تلقته الجماهير مستحسنة التصحيح وباركت المسعى كونه يتعلق في النهاية بمصير أمة بكاملها في عالم تتكالب فيه القوى المهيمنة وتتربص ببلد كالجزائر يمثل الحلقة الجوهرية التي تصل القارات وتزخر بثروات حان الوقت لأن تعود خيراتها على الشعب الجزائري في ظل شفافية المعاملات ووضوح أساليب الاستغلال، فتنتعش الصحة وتزدهر المدرسة ويتحسن مناخ الحياة العامة لكل الشرائح في جزائر جديدة تحكمها معايير تكافؤ الفرص وعدالة التنمية وانكسار شوكة البيروقراطية.
هذا التوجه المأمول هو ما ترمز إليه الهبة القوية للجزائريين في التوجه إلى صناديق الاقتراع يوم 122 ديسمبر للانتخاب من أجل الجزائر فقط.