توقيع قانون المالية لسنة 2020 مؤشر لديمومة الدولة يعكس نظرة مستقبلية اكبر بكثير من مجرد إدارة ظرفية للوضع أو تسيير روتيني للشؤون العامة.
يتزامن التوقيع من طرف رئيس الدولة على الوثيقة المرجعية لمالية الدولة مع إجراء انتخابات رئاسية اليوم وتزامنا مع ذكرى مظاهرات 11 ديسمبر الناصعة في الذاكرة الجماعية للجزائريين، تعتبر محطة للانتقال إلى أخرى تكون أكثر صلابة وديناميكية تسمح بانجاز القطيعة مع العصابة، والتوجه إلى بناء البلاد على أسس تستجيب لتطلعات الشعب مثلما عبر عنها في الحراك الذي أنهى مغامرة العهدة الخامسة بكل الكلفة التي خلفتها.
المسار الذي يندرج في إطار الدستور يسمح بتامين الانتقال إلى المرحلة المقبلة وفقا لإرادة المواطنين والتحول إلى مواجهة الأزمة الاقتصادية بنفس الوضوح الذي يحيط بالعملية الانتخابية التي تجري تحت مظلة سلطة مستقلة عازمة على انجاز المهمة المنوطة بها بالمعايير التي تضمن النزاهة والشفافية.
قانون المالية الذي تم التوقيع عليه مبكرا مقارنة بما كان يجري العمل به في سنوات ماضية بحيث يترك الإجراء إلى آخر يوم من السنة، يوفر الآليات والترتيبات التي تساعد على تأمين الموارد المالية لضمان ديمومة النشاطات المختلفة في مجال التسيير أو التجهيز.
حقيقة المؤشرات المالية ليست بتلك القوة المأمولة بالنظر لتداعيات الأزمة النفطية من جهة وما ترتب عن كل هذه الفترة من تعطيل لوتيرة الأداء الاقتصادي نتيجة الانعكاسات الناجمة عن الفساد، الذي تلقى ضربة قوية أسقطت أدواته في انتظار أن يتوسع مسار مكافحته إلى ابعد نقطة في الهرم، غير أن هناك إرادة لتجاوز الظرف الصعب بالاعتماد على الإمكانيات والموارد الوطنية من أجل تدارك العجز وتأمين العبور إلى مرحلة أكثر نجاعة وبأقل الأضرار الممكنة.
في هذا الإطار، يرتكز قانون المالية في البحث عن مصادر تمويل إضافية تعوض النقص المسجل في إيرادات المحروقات على توسيع الوعاء الضريبي وتحسين أداء التحصيل مع تنشيط آليات مكافحة التهرب الضريبي والغش في التصريحات ذات الصلة. وبإمكان إرساء منظومة ضريبية عادلة ومتوازنة وشاملة أن يحقق المبتغى دون الإضرار بالقدرة الشرائية للمواطن أو تحميله عبئا إضافيا يعيق الوثبة المرتقبة باتجاه الإمساك مجددا بمعادلة النمو.
ويقع على البنوك في هذا المنعرج الذي يمثل تحديا لا مجال سوى أن يتم رفعه دورا طلائعيا في تحريك عجلة الاستثمار المنتج للثروة بالانخراط في الديناميكية الجديدة وفقا لمعايير احترافية حقيقة، تحترم وتحمي، من خلال الالتزام بها عن قناعة راسخة، المال العام وتجيد توظيفه لفائدة المجموعة الوطنية، فتكون منصّة للنمو وليس لأشياء أخرى منبوذة تثير الاستهجان وتعمق من فجوة اللّاثقة جراء ما صدم الرأي العام من أرقام فلكية التهمها الفساد والمفسدون.
للبنوك اليوم، في وقت يتولّاها إطارات اختيرت بعناية، واجب اكبر من مجرد كونها خزائن للريع النفطي، بحيث ينتظر أن ترفع من سقف أدائها الاقتصادي بتمويل المنظومة الاقتصادية وفقا لمقاربة جديدة تضع المال العام في صلب المعاجلة ليكون محركا للنمو بعيدا عن تعريضه للنهب والتلاعب والفساد بشتى الأساليب المخادعة، وهي مسؤولية البنوك أولا لكن شريطة أن يرفع عنها أي ضغط أو ممارسات من وصاية أيا كانت.
إذا ما تقاطعت مسارات الحوكمة والترشيد والشفافية ووقف كل في موقعه، مسير مؤسسة، مستثمر، إدارة، وعمال، بالتزام ومثابرة وحرصا على المال العام سوف تتحقق الأهداف في المدى المتوسط، وهو التحدي الكبير للرئيس القادم الذي يجد أمامه ورشات في أكثر من قطاع، تمنحه المجال واسعا للانطلاق مباشرة في مواكبة عجلة النمو، التي وإن كانت تعاني حاليا من عطب، فان فرص إعادة تنشيطها قائمة وتتطلب فقط التشمير على السواعد وفتح المجال أمام الكفاءات والثقة فيها ومطابقة المنظومة بكل فروعها مع المعايير المناجيريالية، وأولها تحرير المبادرة والتشاركية.