جنبا إلى جنب يسيران معا، ولكن عبر خطّين متوازيين وهما في هذه الحالة لا يلتقيان أبدا مهما امتد كما تقول القاعدة الرياضية.
يسيران معا، إن شخصناهما في رجلين همافي هذه الحالة الرئيسان بوتين وأوباما.
أعني في هذه العجالة التطورات الكبري على مستوى الساحة الدولية التي تقودها وكالعادة دوما، واشنطن وموسكو وضمن هذا المشهد يمكن لأي مراقب أن يلاحظ مقاربتين متناقضتين في التعامل مع الصراعات والتناقضات وتضارب المصالح على الساحة الدولية.
المقاربة الأولى هي «الفوضى الخلاقة» التي ورثها أوباما عن عهد المحافظين الجدد إبان إدارة بوش الابن، أما المقاربة الثانية فتتعلق بالسعي نحو عالم متعدد الأقطاب أو بالأحرى ذي قطبين محورهما موسكو وواشطن، الفكرة التي يسعى بوتين إلى فرضها ليس فقط من خلال الحنين إلى العهد السوفياتي، إنما من خلال بروز قوى اقتصادية وصناعية وحتى عسكرية في مواقع أخرى خارج المنظومة التقليدية لكل من الولايات المتحدة ولروسيا معا.
بالنسبة للعنصر الأول، الفوضى الخلاقة التي كانت إدارة بوش أول من ابتدعها وطبقها وأساسا في كامل المنطقة العربية، يبدو أن إدارة أوباما ليس فقط أنها لم تتخل عنها، إنما تحاول أن تمنحها صبغة غير منفرة مثل حقوق الانسان والحريات والديمقراطية، التوابل التي تخلّط بالتدمير والتفكك وغياب الاستقرار الذي تعيشه أغلب البلدان العربية مشرقا ومغربا، ولعل نظرة بسيطة على ما يحدث في امتداد هذه الساحة يدفعنا الى الرعب والتساؤل هل من مزيد..
أما العنصر الثاني في هذه المعادلة التي تعكس إصرار موسكو على العودة إلى القطبية الثنائية أو عالم متعدد الأقطاب لإعادة التوازن إلى العلاقات الدولية، فقد مرّ بعدة محطات بارزة أهمها ما حدث في جورجيا منذ نحو عشر سنوات حين واجهت موسكو بتصميم عسكري محاولة تبليسي آنذاك بأحداث ثغرة في الجدار الأمني الروسي جنوبا مما حدا بالغرب والحلف الأطلسي إلى التسليم والتقوف الذي يشكل تراجعا عن هدف التغلغل أكثر في الحديقة الخلفية لروسيا، كما أن واقعة ليبيا التي تردد موسكو ومعها بكين دوما أنها كانت خديعة لهما حين تجاوزت واشنطن والغرب عموما لوائح مجلس الأمن حول القضية.
ما يحدث اليوم في العالم العربي وأساسا في سوريا وما يحدث في أوكرانيا بدرجة ثانية بالإضافة لمسألة الدرع الصاروخي، وهو أيضا برنامج ورثة أوباما عن بوش ويصر على مواصلته في حين تعتبره روسيا موجه ضدها في المقام الأول، دفع موسكو إلى إظهار المزيد من التصلب وممارسة لعبة لي الذراعين.
وإذا كانت الولايات المتحدة في عهد أوباما تسعى إلى أكل الأشواك بأفواه الآخرين عكس إدارة بوش المندفعة برعونة إلى أن يسير جنودها على الأشواك مثلما حدث في أفغانستان والعراق وأدى الى استياء شعبي داخلي من سياسة المحافظين الجدد، فإن روسيا تعتبر أن ما يحدث في سوريا بالذات يستهدف آخر ما تبقى لها من مواقع في منطقة بالغة الحيوية مما دفع بها إلى اعتبار ذلك يهدّد مجالها الحيوي وعزلها من كامل منطقة الشرق الأوسط.
للولايات المتحدة حلفاء في المنطقة، وهم دوما أولئك الموالون التقليديون من دول الخليج الذين لا يملكون مقومات المواجهة، بقدرما يمتلكون الأموال والاستعداد لدور لعب وكالات تقديم بعض الخدمات مثل تأجيج النزاعات المحلية المذهبية وشراء الذمم كما يحدث في سوريا والعراق. أيضا حلفاء الولايات المتحدة، باستثناء إسرائيل هم مجرد أدوات يلعبون أدوارا لم يشاركوا في إعدادها وقد لا يدركون غاياتها وأهدافها بوضوح وبعد الرؤية..
في حين تجد روسيا مجموعة من الدول الصاعدة المنضوية في تجمع دول «بريكس» التي تضم أمما صاعدة اقتصاديا وصناعيا مثل الهند جنوب افريقيا، البرازيل، الأرجنتين، فنزيولا، بالإضافة لإيران التي تصر دوما على حضور اجتماعات هذه المجموعة. وإذا أضفنا لذلك مجموعة دول الأمن الجماعي التي تضم روسيا وبكين ودول آسيا الوسطى المستقلة، فإنه يمكن القول إن هذا الفضاء الجديد الذي يملك كل مقومات الحيوية الاقتصادية والصناعية ويتوزع على مناطق التجمعات السكانية الشابة يشكل ورقة مهمة تستند إليها روسيا التي تخاطب العالم ليس بلغة الهيمنة إنما بلغة تجذب الكثير من الدول والقوى الصاعدة حين تصر على خطاب السعي لإعادة التوازن للعلاقات الدولية وتطبيق القانون الدولي في حلّ النزاعات والصراعات وجعل الأمم المتحدة منبرا للحوار ومجلس الأمن هيئة لحل النزاعات بالطرق السلمية وليس مجرد غرفة أو مكتب تابع لكتابة الدولة الأمريكية للخارجية.
الولايات المتحدة لاتزال تعتمد على حلفاء تقليديين في أوروبا والخليج وهؤلاء إما هم هرمون اقتصادي ومالي وسكاني مثل أوروبا أو هرمون جسدي وفكري وتبصر مثل الخاليجيين، وحتى جنوب شرق آسيا فباستنثاء اليابان وكوريا الجنوبية، فإن الصين التي تعد اليوم القوة الاقتصادية الثانية عالميا والقوة العسكرية الناعمة التي دفعت واشنطن منذ سنوات بإعادة دراسة استراتيجيتها العسكرية وتعزيزها في المحيط الهادي أصبحت حليفا استراتيجيا حقيقيا لروسيا في الكثير من الملفات والقضايا.. ولعلّ إعلان بكين مؤخرا حين كان جون كبرى في المنطقة أنها لن تسمح بقيام حرب في شبه الجزيرة الكورية رسالة ذات مغزى كبيرة.
ليست هذه المحاولة تبنيا لموقف هذا الطرف أو ذاك بقدر ماهي محاولة لقراءة تطورات متسارعة ساحتها الساخنة منطقتنا العربية ونحن في غيبوبة شبه كاملة تطورات أحيانا تحدث كنوع من التنافس على اكتساب مواقع اقتصادية واستثمارية ونفوذ مثلما هو الحال لمجموعة بريكس، وأحيانا تطورات دموية ساحتها منطقتنا وفي كل الأحوال، فإن هذا العالم المتعدد الأقطاب أو العودة إلى عهد القطبين هو في طور المخاض وسيتحقق، ولكن وياللفجيعة في غياب كل المنطقة العربية من الميحط حتى الخليج، لأن مكامن القوة لديهم يحطمونها ويفتتونها..
حين يتصارع فيلان أوحصانان أو ثوران، فإن أحدهما قد يسقط أو قد ينسحب بالضربة القاضية أو بالنقاط والمنطق أو بعض الذكاء، يقول إن كنت لا تقدر على المواجهة ولكنه مفروض عليك أن تتلقى بعض آثار تلك المواجهة فإن مراهنتك على حصان واحد أو ثور واحد ستكون الخسران في أغلب الأحيان، ولهذا فإن أدنى حد هو أن لا تضع سلال البيض الذي تمتلكه على ظهر واحد حصانا أو فيلا أو جاموسا، إنما قسمه على الاثنين حتى يبقى لديك بعض من ثروتك أو ما تمتلكه!!
أوراق متناثرة
عالم يولد في غياب العرب؟!
بقلم: عيسى عجينة
18
فيفري
2014
شوهد:743 مرة