غيّرت الصورة النمطية للحصص التلفزيونية

«سيت كوم» مسعودة ميسي تشق ضمار الاحترافية والتسطيح

الجلفة: موسى بوغراب

قدّم التلفزيون الجزائري خلال شبكته الرمضانية لهذا الموسم سلسلة يعتقد أنها فكاهية كوميدية تكسب عددا كبيرا من المشاهدة، لذا بُرمجت في وقت ذروة المشاهدة بعد الإفطار وقبل خروج المتابعين للقنوات الوطنية عموما والقنوات الرسمية للتلفزيون الجزائري ومن إنتاج مجموعة سينما رااف، من إخراج مخرج مغمور يسمى محمد نزيم قايدي يذكر أنه شارك في مونتاج مسلسل المصير مع المرحوم جمال فزاز، كما أخرج مسلسلين الامتحان الصعب و قلوب في صراع ثم توجه للإنتاج الديني في قناة القرآن الكريم ليعود من جديد للإخراج الدرامي وهذه المحاولة في الإنتاج الكوميدي، يشرف على إنتاج هذا العمل رضوان عباس، سيناريو وحوار كنزي بن عزيزة.

الكتابة لأنثى أكيدة، كانت البطولة فيها لممثلة تدعى حنان بكار بدور ميسي مسعودة وهي وجه مسرحي ربما أول مرة يقف أمام الكاميرا المحترفة لذا فقد أجادت كما تعثرت في الكثير من المشاهد خاصة وهي تبالغ وتتكلف في الكثير من الحركات المضافة والتي لا تكون أمام الكاميرات بالتعود عكس ما يحبذ على خشبة المسرح ، يقاسمها العمل مجموعة من الممثلين والممثلات أغلبهم غير معروفين تماما باستثناء محمد الصغير بن داود و سيف الدين بوحة في دور مضاعف لشاف كريم وكذلك الممثلة سعاد سبكي في دور الباترونة لمعلمة صاحبة المخبر الغذائي لطبخ و تحضير خدمات الأطعمة في المناسبات الجماعية ثم تأتي مجموعة من المشتركات في العمل كأساسيات في المسلسل وهن : حرية بهلول بدور خديجة، صبرينة بوقرية في دور بختة، صابرينة قريشي بدور سعاد، سليمة عبادة بدور زينة، عديلة سوالم مريم، فاطمة حسناوي يسرى، حسيبة آيت جبارة في دور أسماء، سارة غربي ندى، سمية البني منال ثم تأتي قائمة طويلة من ضيوف الشرف، وهي القائمة الأطول من الأساسيين حوالي 22 ضيف على غرار الممثل المعروف كمال بوعكاز وأحمد العقون وبن الطاهر أحمد، أما البقية فكلهم أو أغلبهم على الأقل هواة لم يأخذوا حتى المساحة التي يمكن أن تظهر ملكاتهم التمثيلية.
زوايا المشاهد في ابداع وتناغم
إن أي عمل فني ناجح لابد أن يملك تصور الأحداث في موضوع متقن التحريك على الورق قبل أن يحرك الممثلين في الأستديو أمام الإضاءة في ديكور مناسب وأمام الكاميرات التي تأخذ زوايا المشاهد وتلتقطها بإبداع وهذا ما يعرف بالسيناريو وما يرافقه من حوار .
يبدو أن  كنزي بن عزيزة  إجتهد إلى حد بعيد في خلق شخصيات المسلسل وجعلها تتعامل وتتصادم مع بعضها البعض كي تسير الأحداث لتصل إلى نهاية الحكاية مع نهاية حلقات السلسلة، إذا السيناريست أبدع حكاية رئيسية هي حكاية أو قصة مسعودة الآتية من المناطق السهبية الجلفة تحديدا لتجد نفسها وسط زميلات في مخبر لتوضيب الأطعمة كل زميلة بلهجة مناطقية معينة موزعة من الشرق والغرب والوسط والقبائل، هنا تحسب له إحترافية جعل تناغم معين بين اللهجات الجزائرية في تفاعل مملح بخرجات لفظية تصنع التبسم والفكاهة طبعا هنا نتذكر ألفاظ البطلة وسعاد الشرق ويسرى الغرب وحسيبة أيت جبار القبائل دون أن نغفل عن الحضور الواضح لعاشقة الشاف كريم خديجة.
مع وجود شدّ درامي خفيف في قصة ميسي مسعودة وعلاقتها بالباترونة ولما تهتم بها لهذا الحد، وما العلاقة بينها وبين المسعود وبين المسعود وجميلة شقيقة لمعلمة، وقضية الصورة والشقيقتين ليُّشتت توقع المشاهد لقصة ميسي، كذلك القصص الفرعية التي تغذي المشاهد كقصة الطبيبة التي تعقدت حالتها بعد أن مات أحد مرضاها أثناء إجرائها لعمليته فلم تجد إلا تغير الأجواء في مخبر الإطعام مع ميسي وصويحباتها لتنشأ بينهن علاقات محبة وتفاعل وتـأثر بعضهن البعض.
البطلة حنان تصنع الحدث وتتألق
بالعودة إلى البطلة حنان بكار كان بالإمكان أن تكون بشكل فني أجمل بداية من الحوار الذي وكلّ لها لأن الألفاظ الذي كانت ترددها حادة في أغلبها رغم ما يميّز اللهجة السهبية والجلفة خصوصا من الطراوة وقربها من الفصحى وإمكانية فهمها وإستصاغتها في كل مناطق الوطن وهنا لا أحد يزايد على اللهجة كمخارج حروف وقد أبدع فيها الأوّلون كحسن الحسني بوبقرة رحمه الله وعثمان عريوات أطال الله عمره، في الحوار اللفظي الذي مارسته ميسي شيء من السطحية لأن اللهجة وحتى اللغة تتطور بتطور المجتمع وهنا أؤكد أن بعض الألفاظ تأنقت إن لم أقل انقرضت من الحوار اليومي لأهل الهضاب والجلفة بشكل أخص ... لنتابع هنا هذا المقطع الحواري غير الموفق ...
في مشهد من الحلقة الثالثة ..ميسي تسأل: «واللمرا في الدار وش تقعد أتدير أنا ختك»؟
ترد سعاد: تخدم برا وانعاونوها ـ تواصل أخرى: وأنوجدولها كلش ... حتى تتدخل ميسي بحدة غير ضرورية وفي غير توفيق: ــ تاكلو الرهج ... كان الحوار عادي لا يحتاج كل هاته الكلمة الصادمة: الرهج ؟؟
لأن بعدها وفي نفس المشهد تحاور ميسي بكلام فيه الكثير من الحنين رغم النبرة الصوتية الجادة الحادة .... تقول ميسي ... راكم سااريين واللا وش ؟؟ من نيتكم نحيتو السلاح الوحيد للمرأة وأتقولو رانا أنعاونو فيها ؟؟ الراجل كان كي يغضب كانت أترضيه .......إلى آخـــر المشهد الحواري مع إخفاق واضح للمخرج الذي لم يتدخل لتأهيل المشهد فـــتخفض ميسي نبرتها لأنها ليست مضطرة لرفع حدة الصوت وهي تقول شيء تحّن له حتى المرأة العاملة المتحررة التي غادرت البيت لهموم أخرى ...،  وفي مشهد حواري مقرف حد التسطيح من الحلقة 13، أين كان الفنان أحمد بن الطاهر كضيف شرف والذي لم يُعط المساحة المناسبة ولم يكن موّفق حتى في اللباس وتسريحة الشعر ونهاية المشهد، أين يسقط في حركة غير مدروسة تماما وهنا ليس خطأ من المختار بقدر ماهي عثرة للمخرج باعتباره مايسترو العمل من المفروض يحسنها بعد البروفا حتى وإن أعتقد أن أغلب المشاهد لم تمر بشكل بروفات وإنما تمرّ من أول تصويــــر بتسرع ولا أدنى تدقيق ... نعود للمشهد : ....المختار والمسعود على طاولة الغداء ....المختار: هاذي ماكلة هاذي ؟؟ هاذي راها خوليطة ... ترد ميسي: ها اللحم وروز مرقا بيضا ... يرد المختار : هاذي راها الكلب وما يكلهاش ـــــ عبارة ساقطة لامحل لها من الحوار.
ثم يرد المسعود بعبارة أسقط منها وأقذر: أنا هاني ناكل فيها ما قلتش هوووهوو وما نبحتش ؟؟ خاصة وأن العقون له القدرة أن يذهب بالمشهد لجمالية أكثـــــر كيف لا وهو المخرج المسرحي المرموق وطنيا مع الملاحظة أن المخرج البارع ليس بالتتابع ممثل بارع ... ... ليتواصل الحوار ...تخلي الدجاج هامل واتجي تاكل عندنا في البيض ... المسعود ايواصل: يا لمووسخ ...  ونهاية المشهد بالجري والصراخ ... ؟؟؟؟
لقد تكرر هذا التسطيح غير المحمود حتى مع الفنان كمال بوعكاز وهو ينهي مشاهد الحلقة 18 ... ترد ميسي: وأنا المخرج اللي خرج هاذ المسرحية واللي عنوانها السي رابح طاح في لخسارة سبة الدسارة لترد يسرى: غي شوفينا كنزي يبدلنا العنوان أطويل بالزااف، كمال يتدخل: أشكون هذا ..حتى يصل بالمشهد أين يذكر المخرج كأنه أقحم الحوار إقحاما ولُحم تلحيما ... يواصل كمال: أنا غير بدلولي المخرج هذا فرّْشاا هاذي هاذي نهاية حلقة هاذي عيااانة ؟؟هذا المخرج باين ماشي جامي شاف فيلم هذا جامي أستعمل تيلي كوموند جامي طفى تيلي يامحاينك .... وش يطلع هذا لازم أيطلع النيفوو، كأن كمال كان يقول رأيه الحقيقي في نهاية الحلقة. وهكذا تكررت الأمور في أغلب الحلقات بين مشاهد حوارية احترافية ومشاهد سطحية حد التسّطيـــــح تناثرت في الكثير من الحلقات، الحلقات الأولى كان الحوار فيها أكثر إلتزاما بخط موضوعي محترم هادف لابأس به وهادف كمعالجة العنف ضد المرأة أين تظهر أحداهن معنفة وحولها الأخريات يتضامن معها ويمقتن العنف كسلوك مستهجن وجب الوقوف ضده، وكذا التلميح لمعالجة العنف في الملاعب في الحلقة رقم 10 لكن بتقدم الحلقات أصبح الحوار مرتجل لا خلفية إبداعية فيه حتى ضيوف الشرف كأنهم أقحموا بلا ضرورة ربما فقط لأنهم أصدقاء أو محبوبين لأحد صنّاع المحاولة، أين أقحمت مراهقة لا علاقة وهي ليزا ملاك بن عزيزة .... ثم يأتي إخفاق آخــــر إخراجي وحواري والمتعلق بالشاف كريم إذ لا من المنطق ولا من الحرفة ولا حتى من السذاجة أن يقوم بدور واحد ممثلين اثنين في نفس الحلقة أو السلسلة كان بالإمكان وباحترافية أكثر أن يقوم ممثل واحد بالدورين معا الشاف كريم وضميره المعلق من عرقوبه حيث كان الشاف يعيش صراع داخلي وصدام ذاتي ووسوسة تنتاب أغلب من يريد التميّز والظفر بقلب يتمنى حبه.
التمثيل ... ثنائية الاقدمية والخبرة الجاهزة
 ليبقى المأمول آت في الحلقتين الأخيرتين وقفل العمل مع تفطن المشاهد العادي أن إنتاج هذه السلسة ربما كان تحت ضغط إمكانيات مادية بدليل وجود 02 كاميرات لا أكثر تلتـــقطان الصورة من زاوية ثابتة مقابلة ميتة لا حرّاك فيها إلا فيما ندر، الصوت ملتقط بكفاءة أما الموسيقى لسعيد بوشلوش فحلقة أعتبرها موفقة الاختيار المرافق لحلقات السلسلة. الديكور مناسب لحد لابأس به فيه تحرر عن الكلاسيكية باعتبار أن المخبر الغذائي متطور حديث رغم إقحام الأرائـــك والتي تشعرك بغرفة ضيوف معتادة لتصوير مشاهد لا تخلو منها كل الأعمال التلفزيونية الجزائرية .
إن هذا العمل ككل عمل له ما له وعليه ما عليه من الملاحظات والتي تختلف زوايا ملاحظتها من شخص لآخـــر لقد كسر احتكار اللغة التلفزيونية التي فرضت على المشاهد لسنوات طوال وأعطى فرص حقيقية للكثير من الوجوه الشابة وشاكس عقلية كبار الفن والتمثيل بالأقدمية وسمح بالتعرف بإمكانية التمرد الجميل على نمطية معينة وشغل الكثير من الناقدين والمتتبعين سلبا وإجابا وهنا يعتبر نجاح ولو بتتبع السلبيات لأنه عمل  شدّ إليه الكثير شئنا أم أبينا، كما أني أؤكد هنا أن العمل وهذا رأيي الذي لا يفسد للود قضية لم يسيء للهضاب وأهل الجلفة خاصة أبدا، إنما أخفق إبداعيا في الكثير من المشاهد وجب الرد عليه بإبداع تمثيلي وإخراجي آخـــر لا أن نعاير من إجتهد فيه بقدر قدرته ونظرته.
تحية تشجيع لكل من حاول أن يكون الأفضل تحية جميلة جدا لمن زادوا السلسلة عذوبة ... خديجة ، يسرى ، وبختة .. وسعاد خاصة ميسي الفوضوية المرتبة حنان بكار، مع الملاحظة الأخيرة من صديق رياضي أن ميسي تعني الفوضوي لقد كانت مسعودة فوضوية مرتبة لحد لا بأس به قارب النجاح الحقيقي لنتمنى لها الأفضل مستقبلا ...... الفاااااااايدة ...حكاياتنا جزائرية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19524

العدد 19524

الإثنين 22 جويلية 2024
العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024