تلقي بظلالها على موسم الاصطياف

الموجة الثالثة تعيد ترتيب اليوميات من جديد

استطلاع: فتيحة كلواز

فرضت الموجة الثالثة من فيروس كورونا قيودا جديدة على موسم اصطياف العائلة الجزائرية التي وجدت نفسها مرغمة على البقاء في المنزل وعدم الخروج منه إلا لضرورة، خوفا من الإصابة بالعدوى، فما تعيشه بعض العائلات من انتشار للعدوى داخلها دق ناقوس الخطر معلنا حالة الاستنفار القصوى.

اتفقت اراء المواطنين حول ضرورة تحلي الجميع بالوعي الكافي لمنع تدهور الوضع الوبائي في الجزائر، خاصة ما تعلّق بالأشخاص الذين يجمعون بين أعراض الإصابة والنتيجة السلبية لاختبار «بي سي آر» لفيروس كورونا، وأجمعوا في حديثهم الى «الشعب» أن فصل الصيف تجرد من كل خصائصه ليبقي على «الراحة والاستجمام» في البيت «لتحمي عائلتك».

-  المغامرة الممنوعة
«الحذر ثم الحذر ثم الحذر» هكذا أجابت صورية جيلاني، 40 سنة عن سؤال «الشعب» حول يومياتها الصيفية هذه السنة، حيث قالت: «حقيقة أن صيف هذه السنة أقل تضييقا من السنة الماضية لكنه أكثر خطرا بسبب موجة ثالثة بسلالات متحورة أكثر شراسة وخطرا من الأولى، المهم أن يعي المواطن أهمية الالتزام بالإجراءات الوقائية لأنها السبيل لإبعاد الخطر عن العائلة والمحيط الذي نعيش فيه، وعلى من يريد الاستمتاع بشواطئ البحر والرحلات الصيفية أن يضع نصب عينيه الوضع الوبائي حتى لا يكون ناقل للعدوى في أي مكان يذهب اليه او يزوره».
وعن يومياتها الصيفية قالت صورية: «كان الشاطئ البحر وجهتي المفضلة ففي شهر جوان الماضي استمتعت برمال أكثر من أربع شواطئ بالعاصمة، لكن ومع ارتفاع عدد الإصابات فضلت البقاء في البيت والحد من خروجي من المنزل خاصة بعد أن أصيبت عائلة زوجي بالعدوى، فإصابة أربع اخوة لزوجي وزوجاتهم واثنين من أطفالهم، جعلني اشعر بالخطر الشديد لذلك ركنت الى البيت حتى لا يكون فصل البهجة والراحة والاستجمام، فصلا حزينا ومؤلما، ومع السكري الذي يسكن جسدي تأكدت أن المغامرة بالنسبة لي ممنوعة».  
لم يستثن زوبير بن شابو 50 سنة موظف بمؤسسة عمومية فصل الصيف من النتائج الخطيرة لحالة الاستسلام للاستجمام والراحة، وكل ما يعنيه ذلك من زيارات ورحلات وشواطئ البحر، حيث قال لـ»الشعب»: «ان لم يعد المواطن الى وعيه من خلال الالتزام بالإجراءات الوقائية سيكون علينا التعوّد على منظر التوابيت التي تنقل الموتى، او بقاء من هم في حالة حرجة خارج غرفة الإنعاش بسبب حالة التشبع التي تعانيها المستشفيات، حقيقة ان الجزائر في مرحلة التعايش مع الوباء، لكن لن يتأتى ذلك الا بالالتزام واحترام كل ما يمكنه الحدّ من انتقال وانتشار العدوى بين الافراد، فلا يعقل أن تغلق قاعات الحفلات لمنع التجمعات ثم يأتي شخص جاهل يؤجرها «تحت الريدو» من أجل إقامة مأدبة عشاء، لا يعقل أن يقبل المدعوون إلى مثل هذه الحفلات من أعراس وخطبة وختان الذهاب والبقاء داخل قاعة مغلقة والكل يعلم جيدا ان الوباء في حالة «استعار» ولن يضيع فرصة ذهبية كتلك لنقل العدوى».
أما راضية فترى أن كورونا فرضت على العالم منطقها الخاص وأصبح إعادة ترتيب «حياتنا» حسب مقتضياتها مؤكدا، لذلك وجدت في الكتاب والمطالعة المهرب الآمن من أي الفيروس، وقالت في هذا الصدد: «أخذت هذه السنة قرار الابتعاد عن التسلية الالكترونية التي عانيت بسببها كثيرا السنة الماضية، فمع تزايد عدد الإصابات وارتفاع منحنى الموجة الثالثة لكوفيد-19، عزفت عن الخروج من المنزل ومع انتهاء السنة الجامعية أصبح من الضروري التفكير بجدية في طريقة لمليء وقت فراغي خاصة وأنني أعيش مع والدي المسنين ولا استطيع المغامرة بصحتهما أبدا.»
وأكدت أنها وجدت في المطالعة منفاها الصيفي هذه السنة، فقد نفضت الغبار عن الكتب المرصوفة في مكتبة المنزل، وبدأت تقلب صفحاتها من اجل ولوج عالم قاطعته منذ ان كانت طفلة صغيرة، وقالت:
«وجدت صعوبة كبيرة في التعود على صبر مطالعة فالهوس التكنولوجي جعلني لا أؤمن الا بالذكاء الصناعي لملء أوقات الفراغ، ولم أتخيل نفسي يوما جالسة أقلب صفحات كتاب بحثا عن المطالعة، وتفريغ الشحنات السلبية التي سيطرت علينا بسبب الوباء العالمي».

- «قلبوا المنطق رأسا على عقب»
لاحظت امينة حابي من حسين داي أن البعض ممن كانوا يتخوفون من الإصابة تبنوا اللامبالاة كـ»أسلوب حياة» مباشرة بعد اصابتهم بالعدوى، فتراهم يتجولون هنا وهناك رغم اصابتهم غير مبالين بالعدوى، بالرغم من أنهم كانوا من اشد الناس حرصا على الإجراءات الوقائية، وهو تجسيد حي لغياب الضمير الإنساني فلا يعقل ان يلتزم المرء فقط لحماية نفسه وإذا أصيب بالعدوى، يباشر مهمة نقلها للآخرين غير مباليا بالإجراءات الوقائية، حيث قالت: «لي صديقة منذ بداية الجائحة لا تخرج من المنزل إلا للضرورة القصوى قاطعت الجميع خوفا من العدوى حتى الأكل كانت تتناوله في آواني بلاستيكية ذات الاستعمال الواحد، كان حرصها شديدا لدرجة الهوس المرضي، استمرت على هذا الحال حتى أصيبت منذ أسبوعين بالعدوى، لتقلب الطاولة وتعود إلى حياتها العادية، فلم تعد تلك الفتاة المهووسة بالإجراءات الوقائية».
«عندما علمت بإصابتها بالعدوى كنت أظنها ستنتحر أو تصاب بصدمة نفسية، لكن عندما وجدها أمام باب منزلنا تطلب مني الذهاب إلى السوق، علمت أنها طلقت الحياة «احمي نفسك واعتزل العالم» وتبنت «ما دمت مصابا فلا تخشى العدوى»، ذهلت لدرجة أنني سألتها إن كانت بخير فردت أنها في أفضل حالاتها، طبعا رفضت الخروج معها خوفا من العدوى.
وبالرغم من أنها مصابة غضبت مني ورحلت وقالت إن والديها وأختها كلهم أصيبوا بالعدوى ولا يعانون أي شيء، لأن الإصابة تعني مناعة قوية ضد الوباء خاصة وأن الحمل الفيروسي عندها لا يتجاوز 10 بالمائة، في الحقيقة ذهلت بسبب المنطق المقلوب الذي أصبح يسير حياتها، لأنها تعلم جيدا أنها تتحمل وزر من نقلت له العدوى».

-  عيد في مهب الريح
بعد إصابة أربعا من أبنائه وزوجاتهم أصبح واضحا إلغاء شراء الأضحية هذه السنة خوفا من العدوى، حيث قال عمي رابح: «لا أتذكر عيدا لم أضحي فيه، فكل سنة اشتري وأبنائي الأضاحي ونقوم بذبحها معا، لكن هذه السنة لن يكون عيد الأضحى كباقي الأعياد السابقة، ولا يمكن بما كان شراء الأضحية خاصة وان جيراني أيضا مصابون بالعدوى، ما يعني أن البقاء في البيت هي أسلم طريقة لإبعاد الفيروس خارج المنزل، وعوضا عن ذبح الأضحية نذرت ثمنه للفقراء صدقة لـ»دفع» بلاء الوباء عن أبنائي».

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19546

العدد 19546

السبت 17 أوث 2024
العدد 19545

العدد 19545

الخميس 15 أوث 2024
العدد 19544

العدد 19544

الأربعاء 14 أوث 2024
العدد 19543

العدد 19543

الثلاثاء 13 أوث 2024