انتشاره خلال العطلة وتفاديه يمنع الكارثة

الإدمــان الالكــتروني.. سجن افــــتراضي

استطلاع: فتيحة كلواز

تحوّلت الألعاب الالكترونية في الفترة الأخيرة الى المطلب رقم واحد عند الأطفال والمراهقين الذين وجدوا أنفسهم مع مرور الوقت وعلى ضوء غياب رقابة أبوية أسرى عالم افتراضي يقضي في كل يوم على ملايين الخلايا الدماغية للطفل، وان أخذنا بعين الاعتبار العطلة الصيفية سيكون على الأسرة تحمل مسؤولياتها تجاه الأبناء لإخراجهم من سجن بلا قضبان، سجّانه شخصيات افتراضية سلبت عقل الأطفال وملكت روحهم، من خلال تحفيزهم على ممارسة هوايات مختلفة تملء فراغهم وتنمي قدراتهم العقلية.

اتفقت آراء أولياء على ضرورة منع تحوّل الأطفال الى عبيد للعالم الافتراضي، فقد أوضح أغلبهم لـ»الشعب» أن الألعاب الالكترونية تقوم باستبعاد واضح لهم تسلبهم عقولهم وإرادتهم في البقاء بعيدا عنها، ليصبحوا مع مرور الوقت مجرد أرقام بهوايات مزيفة محبوسين في سجن افتراضي اصطلح المختصون على تسميته بـ»الإدمان الالكتروني.
هدوء يُنذر بالعاصفة
محمد ساسي، محاسب في وكالة اشهار واب لثلاثة أطفال أكبرهم لا يتجاوز سنه 15 سنة، سألته «الشعب» عن هوايات أطفاله التي يفضلون ممارستها في العطلة المدرسية، فأجاب قائلا: «في الحقيقة، من أكبرهم الى أصغرهم بعمر  4 سنوات كلهم يفضلون الألعاب الالكترونية خاصة لعبة «فري- فاير» التي تحولت الى أهم الألعاب التفاعلية في عالم الانترنيت، لذلك اشتريت لهم لوحات رقمية للعب، ما أعطى البيت سكونا وهدوءا لم يتعوده جيلنا في العطلة الصيفية، فقد كان الحي يضج بضحكات الأطفال ولعبهم، أما اليوم أصبح الأطفال هادئين لا يبالون باللعب في الخارج،لأنهم يلعبون مع أصدقائهم في لوحة رقمية من خلال المشاركة في «روم» واحد يجمعهم على معركة واحدة في «فري-فاير».
وعن مراقبته لأبنائه الصغار أثناء انغماسهم في العالم الأزرق، أجاب محمد: «حاولت كثيرا مراقبتهم لكنني لا أستطيع السيطرة عليهم خاصة وأنني أعمل بدوام كامل ووالدتهم أيضا، لذلك نحن مجبران على تركهم في المنزل مع جدتهم، لذلك نحاول تخفيف عبء الاهتمام بهم بلوحات رقمية تستطيع الإبقاء على هدوئهم لأطول مدة ممكنة من الزمن».
  أما منيرة أبركان، فترى أن العالم الافتراضي سلب عقول الأطفال وجعلهم مجرد أجساد لا إرادة لهم، فحتى وإن أرادوا لا يستطيعون التخلي عن الهاتف الذكي لمدة طويلة، حيث صرحت لـ»الشعب» قائلة: «أجد صعوبة كبيرة في اخراج طفلاي من سحر لعبة «فري-فاير» التي جعلتهم منهما عبدين لها، وما زاد الطين بلة أنها تفاعلية لأن اللاعب يستطيع التحدث مع آخر من مختلف جنسيات العالم من أجل اللعب معا، لذلك أصبح الخروج للعب في الحي أو زيارة الأقارب أمور صعب تحقيقها، خاصة إذا كان الاقرباء لا يملكون الانترنيت، ففي كثير من الأحيان يرفض طفلاي زيارة أمي لعدم امتلاكها لـ «ويفي» أو أنترنيت منزلي.»
ولاحظت منيرة أن الظاهرة في تزايد متسارع زاد من انتشارها الغلق الذي عرفته الجزائر العام الماضي بسبب التدابير الاحترازية والإجراءات الوقائية لمنع انتشار فيروس كوفيد-19، فقد وصل الامر بأحد أطفالها الى رفع يده عليها عندما أجبرته على ترك الهاتف النقال فترة الامتحانات، لذلك على المجتمع ان يتحرك ليجد الطريقة الأمثل لاستعادة أطفالنا من العالم الافتراضي الذين يعيشون هدوء ينذر بالعاصفة.
بطاقة فيزا لشحن «فري-فاير»
ووجد فضيل – ب. نفسه أمام مصاريف إضافية بسبب إصرار لعبة «فري-فاير» حيث قال لـ «الشعب»:» في بداية إقبال لعب ابني على فري فاير كان الأمر بالنسبة لي إيجابيا فقد وجدت نفسي أعيش في هدوء تام بعيدا عن الصراخ ومشاجرات أبنائي المتكررة، لكن ومع مرور الوقت تحول الامر الى ضريبة إجبارية أدفعها في كل مرة من أجل الحفاظ على الهدوء في البيت، فطفلي في كل مرة يطالبني ببعض المال من أجل شحن «فري- فاير»، وهي عملية شحن جواهر للعبة من أجل شراء بعض الأسلحة للمحارب الافتراضي، لذلك اضطررت الى شراء بطاقة فيزا بـ 2500دج بقيمة 5 دولار لإسكات طفلي.»
 واستطرد فضيل قائلا:» أعلم جيدا أنني محل ابتزاز من طفلي لكن ما باليد حيلة فالألعاب الالكترونية اليوم فرضت نفسها على الاولياء، لأنها آخر صيحات اللعب عند هذا الجيل، ولا يمكن لأي أحد كان مقاومة مد هذه الألعاب وانتشارها فهي ظاهرة عالمية وليست خاصة بمجتمعنا فقط.»
الهوايات علاج للإدمان الالكتروني
يرى مختصون ان الإدمان الالكتروني الذي تحول الى ظاهرة مجتمعية تهدّد الأطفال بكثير من المشاكل النفسية ضرورة تحمّل الاولياء مسؤوليتهم تجاه أبنائهم من أجل اخراجهم من سجن افتراضي، خاصة وأن كثير منهم منخرط في ألعاب إلكترونية تفاعلية أي أنهم في اتصال مباشر مع مختلف جنسيات العالم، ما يضعهم فريسة سهلة لشبكات إلكترونية تمارس الابتزاز كوسيلة لاستخدام الأطفال في مختلف أنشطتها غير المشروعة.
وينصح مختصون باستثمار أوقات فراغ الأطفال في أنشطة مفيدة تساهم في تعزيز ثقتهم بأنفسهم وتنمية قدراتهم العقلية من خلال تحفيزهم على ممارسة هوايات بعيدا عن العالم الافتراضي، كالسباحة، الرسم، المشاركة في أعمال تطوعية وخيرية، المطالعة أو حتى زيارة الأقارب في مناطق جبلية من أجل إجبار الطفل على الابتعاد عن الأنترنيت.
في الوقت نفسه، طالب مختصون الأولياء بعدم الاعتماد على الهاتف الذكي أو اللوحة الرقمية لتكون «مربية» للطفل، فغالبا ما يكون هدفهم من شراء هذه الأجهزة لأطفالهم هو إبقائهم بعيدا عن المشاكل، لكنهم في الحقيقة يبقون أطفالهم قريبين جدا من المشاكل رغم عدم احتكاكهم مع العالم الخارجي.
ومن المعروف أن منظمة الصحة العالمية في تصنيفها العالمي اعتبرت الإدمان الالكتروني مرضا سلوكيا نظرا للسلوكيات والعادات السلبية التي تظهر على الأطفال وحتى الكبار الذين يقعون تحت تأثير هذا النوع من الإدمان الافتراضي، حيث تفقدهم الثقة في أنفسهم، وتقطع صلتهم مع العالم الخارجي حتى وان كانت أسرتهم، لتنحصر حياتهم في مجرد علاقات افتراضية في ألعاب جعلت من الانسان أسيرا للعقل الاصطناعي، لذلك من الأهمية بما كان اختيار الألعاب المناسبة للأطفال بحسب فئتهم العمرية واحترام كل ما يضعه صانعوها من نصائح.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19546

العدد 19546

السبت 17 أوث 2024
العدد 19545

العدد 19545

الخميس 15 أوث 2024
العدد 19544

العدد 19544

الأربعاء 14 أوث 2024
العدد 19543

العدد 19543

الثلاثاء 13 أوث 2024