أستــاذ بجامعـة الجلفـة: سعيــــد موفقــي

التشجيـع يختلـف باختـلاف الأجيــال

إنّ ظاهرة التشجيع أو التحفيز قديمة مع الإنسان، غير أنّ أسلوب ممارستها يختلف من عصر إلى آخر، فقد كان الأمراء والخلفاء والملوك والوزراء يقيمون مجالس علمية وأدبية تنتهي عادة بمكافأة لأصحابها.
وكان كلّ مؤلَّف ينجز يتلقى صاحبه وزنه ذهبا حتى يهتمّ أكثر ويضيف جديدا، بل وتشتدّ المنافسة بين طبقة المفكرين والعلماء والمبدعين، بغض النظر عن نسبهم وعلاقاتهم الاجتماعية والسياسية والثقافية بذوي الشأن، باعتبارهم محرّكا حقيقيا للهمم ومنشّطا فاعلا للمواهب، من شأنه أن يجعل من المجتمع أو الأمّة في مصاف الأمم المتحضّرة، وموثّقا راقيا لمآثرها ومنجزاتها المختلفة، وبالتالي تزدهر الحياة، إنّه وعي حقيقي بفكرة السّعادة المتكاملة والمتوازنة، وتحقيقا لعملية التواصل بين الأجيال المبدعة والقارئة على حدّ سواء، إنّها فكرة حضارية رائدة ومحفّزة لترقية العقل والإبداع، لم يكن هدفها المال فقط، هذه الحقيقة يبدو أنّها غائبة نوعا ما عن كثير من المؤسسات ودوائر النشاط الأدبي والثقافي في وقتنا الحالي، مما ساهم في تشجيع الرّداءة ولم يعد يحكم العملية مقياس موضوعي نزيه، ولعلّ بعض الجوائز التي تمنح هنا وهناك دون توفر شرط القيمة الإنسانيّة والإضافة الأدبية أو الفنيّة من بين الأسباب المخيّبة للمجتمعات المعاصرة، إذ لم تعد هناك قراءة حياديّة لكثير ما ينتجه بعض الشّباب المبدعين الحقيقيين وغيرهم، عندنا وعند غيرنا، مما يولّد لدى طبقة المثقفين كقراء أو مبدعين، وحتى لدى الناشئة صورة قاتمة عن مصداقية التحفيز أو»الجائزة» كما كان يؤمن بها أباؤنا وأجدادنا، ومن جهة أخرى يمكن اعتبار التشجيع العلمي / المعنوي محفّزا آخر ومهمّا على مستوى الدراسي الذي يكاد يكون محدودا في الأوساط البحثية والأكاديمية، إذ تعاني كثير من الأعمال الإبداعية الحقيقية في مختلف الأجناس الأدبية من ظاهرة التهميش والقطيعة وغياب القراءة الموضوعية التي تسبب فيها كثير من المخابر ودور البحث والدراسات، نشعر إزاءها بوجود فراغ رهيب لم ينتبه له طلبتنا الجامعيون وحتى بعض الأساتذة، بقصد أو بغير قصد، لكن المسؤولية ملقاة على الجميع وعلى عاتق المشتغلين على المنظومة الأدبية عموما والجزائرية خصوصا باستثناء مبادرات واجتهادات موازية وقليلة، تحاول أن تزيل عن بعضها غبار التراكم والإهمال.
إنّنا نرى عامل التحفيز لا يتحقق بالمسابقة أو الجائزة وحدها ما لم تبادر الجهات الأكاديمية والبحثية والقراءات النّقدية الجادة، بتحمّل مسؤولية المشروع وتقييمه ككل، بعيدا عن بعض المتابعات الإعلامية التي من جهتها قد ساهمت في تكريس الرّداءة ولا تحتكم إلى مقاييس موضوعية في ملاحقتها لكلّ منتج أدبي أو فنّيّ، تشجيعا وتعريفا، فمؤسسات الجوائز والجامعات والإعلام، كلّ متكامل في تنشيط العمل الإبداعي وتأطيره وحمايته أيضا من التطفّل والنّسيان، ويمكن أن نعتبر النشر أيضا أحد أهم العوامل التي تساهم هي الأخرى في توسيع العملية الإبداعية سلبا وإيجابا، وكلّنا ندرك هذه الحقيقة التي تزداد سوءا يوما بعد يوم، مع سكوت مخيف ممن يهمّهم الأمر ولا يبادرون أو يوضّحون. وبهذا السكوت تضييع كثير من الأعمال الإبداعيّة الناّجحة داخل الجزئر وخارجها، وتتصدّرها صورة أخرى مرفوضة إبداعيا وثقافيا تحاول تمثيل المدونة الأدبية الجزائرية، للأسف، وتضيع معها حقوق أخرى، ومن هذا المنبر الإعلامي الجاد نرفع دعوة إلى المخلصين في كلّ حقول المعرفة والأدب والإبداع بالالتفات إلى الأعمال الحقيقية، بقراءتها قراءة جادة، لأنّ الجائزة لم تعد كافية لإبراز المواهب إن لم نقل تراجعت عن مهمّتها الحقيقيّة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19657

العدد 19657

الأربعاء 25 ديسمبر 2024
العدد 19656

العدد 19656

الثلاثاء 24 ديسمبر 2024
العدد 19655

العدد 19655

الإثنين 23 ديسمبر 2024
العدد 19654

العدد 19654

الأحد 22 ديسمبر 2024