قصة قصيرة

منارة البؤساء

مراد العمري

لقد هرب من كلام الناس ومن ظلم الحياة له، وهرب كذلك من نفسه ولجأ إلى المنارة المهجورة كي يعيش في صمت بعيدا عن كل الناس. هرب من سخرية الناس له، لقد كان قبيح الوجه وكل من يرى وجهه يراه وكأنه سفاح ومجرم ولكنه طيب القلب ذنبه أنه منبوذ من قبل الناس.
لقد غدرت به الحياة أيضا فلا أحدا يكلمه أويبتسم له أوحتى يعطف عليه عانى من الألم وهويرمى بالحجارة من قبل الناس، وفي كل مكان يطرد لا أحد يرغبه كل الأبواب سدت في وجهه لا يوظفه أحد ولا يعمل عند أي أحد وحتى أبسط الأعمال لا يجدها الجميع يحمل له العداء. توجد عجوز وحيدة فقدت بصرها كانت هي من تعطف عليه وتقدم له الأكل وتحن عليه، بل كان مثل ابنها الذي فقدته. عندما يتجول في شوارع المدينة تجده دوما يحمل الأوراق والأكياس وكل شيء يراه على الأرض يحمله كان ينظف الأماكن والطرقات كي لا تتجمع الأوساخ على الطريق. كان شهما وطيبا يحمل أخلاق الإنسان النبيل وهوصابر لقهر الحياة والناس.
عمل طيلة سنوات ينظف وينظف حتى تكون المدينة في أحلى وجه وأحلى منظر مدينة بأكملها يطوفها طريقا بعد طريق وشارعا بعد شارع والكل لا يتعرف بما يفعله هذا الرجل الطيب الذي حمل الأوساخ من الطريق كي يسيروا بكل احترام، ولكن لا احترام لمن فقد الاحترام. لجأ إلى المنارة هربا من نفاق الناس والمجتمع أحس بالظلم الذي قضى عليه الآن بعد أن اتهموه بالسرقة ولكنه رجل طيب وأمين فهولم يحترف هذا العمل ولا يعرف أي طريق له، لأنه إنسان. نعم إنه إنسان وله أخلاق.
أمضى عدة سنوات في المنارة وحيدا يقتات بما يرميه الناس من الأكل وظل على هذا الحال مدة من الزمن، وفي ليلة من الليالي كانت العواصف قوية والأمطار تتهاطل بدون توقف.
أحسّ بالجوع فخرج من المنارة يبحث عن الأكل الذي لم يذقه لعدة أيام خرج لكي يعثر على أي شيء يأكله كي يسّد جوعه كان الظلام دامس ومشى لعدة كيلومترات مشى طويلا إلى أن
اختفى وسط الظلام ولم يعد منذ تلك الليلة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024