اليوم أطفئ شمعتي الخمسين، وأنا بعيد عنك...
اليوم ينقضي عشرون خريفا بعد الخريف الذي رحلتِ فيه دون وداع مسبق، لم تتركي سوى وردات ذابلة تختبئ بين صفحات كتب قديمة، تركت لي صورة قديمة في إطار مهترئ تحويك وتحوي وجهك الذي صرت أشتاق لأراه في أحلامي.
اليوم يبدأ شتاء آخر لا أجد فيه يديك تدفئان يدي المتجمدتين بعد عودتي من العمل، أوكوب القهوة مع الكعك اللّذيذ الذي تعدينه، ذلك الكعك الذي كتمت وصفته السرية عني وأخذتها معك دون رجعة، لم أعد أجد ريحه قبل أن أصل إلى عتبة منزلنا، هذا المنزل الذي طليت غرفه بألوانك المفضلة، هذا المنزل المعتم بعد غياب نورك صار سجنا لي، كل أثاثه يذكرني بك حتى صرت أرتعب عندما أسمع صوت كرسيك الهزاز يتحرك بفعل الهواء إذا ما كانت النافذة مفتوحة، وأهرع إليه عسى أن أجدك تقرئين إحدى رواياتك قرب النافذة المطلة على الحديقة، حتى الزهور بعد لم ترض أن تنبت بعد رحيلك رغم كل محاولاتي، وكأن الأرض بارت بعد غيابك عن الاعتناء بها.
أكره أن أفتح دولاب الملابس فأشتم عطرك يهرب من ثيابك معيدا لي ذكريات تفتح جراحي، كلما نظرت إلى ثيابك أرى فستانك الأحمر الذي كنت تعشقينه وتحرصين على لبسه في أيام نزهاتنا، اليوم هذا الفستان يشتاق لضم جسدك الهزيل، حتى عقد اللؤلؤ خاصتك يشتاق إليك...
الأيام والليالي تنقضي وذكراك لا تفارقني، والاشتياق ينهش قلبي ويؤرق تفكيري، الحياة دونك لا تطاق يا من سكنت بين ثنايا روحي ولا تزالين، هانت الدنيا بعدك واختفت أفراحها وتحولت ألوانها إلى السواد، أريد مواجهة هدام اللذات ومفرق الجماعات، أريد مقابلة شبح الموت الذي اختطفك، دعيه يختطفني ويقودني إليك، فالاشتياق لمن هم تحت الثرى سم يفتك بقلوب المشتاقين.