أول يوم لي في كليتي الجديدة، شعوري متداخل غريب.. فرحة يغلبها الحزن وحماس يتخلله التراجع، خرجت من المنزل بخطوات تأبى التقدم، ارتديت سماعتي وشغلت أغنيتي المفضلة علّني أخفي ارتباكي قليلا، ها أنا أمشي كالعادة ونظرات الناس تتفحصني بل وتخترقني بلا رحمة، يمكنني تمييزها بسهولة بعد اعتياد طويل، فبعضها تحوي الشفقة والبعض الاخر مليئة بالاشمئزاز، صعدت الحافلة وجلست قرب شابة لو كتبت عن جمالها الأخاذ كتابا كاملا ما استطعت وصفها، لاحظت تذمرها وتأففها المتكرر لجلوسي بجانبها وحتى محاولتها الابتعاد عني كي لا نتلامس فنزلت في المحطة الموالية وفضلت إكمال طريقي مشيا على أن تهان كرامتي فمهما كان شكلي لن اسمح لأحد أن ينتقص من قيمتي ولو بالقليل فبالنهاية سأظل إنسانا.
ها أنا واقفة أما باب الكلية، صوت يهمس في أذني: تراجعي، عودي إلى منزلك ستهانين وتصبحين أضحوكة الناس كما كنت، هل تتذكرين كيف رسموك مرة وطبعوا تلك الرسمة اللعينة وألصقوها في كل أرجاء المدرسة؟ هل تتذكرين يوم أسقطوك عمدا في الفسحة ونعتك الجميع بالوحش ؟.
ساطع تدافع الطلاب صوت أفكاري، أخذت نفسا عميقا وبحثت عن القاعة «11» التي وجدتها بسهولة دون أن أسأل أحدا، دخلت القاعة وسط سكون تام للطلبة أوبالأحرى زملائي الجدد، صمت تلته ضحكات خافتة وعيون مشفقة وأخرى مشمئزة لكنني لم أندهش من كل هذا فقد تعودت. دخلت أستاذة الساعة الأولى ويا للصدفة، هي نفسها الفاتنة التي جلست أمامها في الحافلة، هه أنظروا إلى غبائي مازلت أقول عنها فاتنة بعد موقفها السيئ معي اليوم. ألقت التحية وشرعت في درسها أظن أنها لم تلمحني، صاح طالب معي قائلا : أستاذة لدينا زميلة جديدة معنا في الصف ولم تعرف بنفسها حتى. جالت بنظرها الذي وقع في النهاية علي لاحظتُ اندهاشها الذي أخفته بمهارة قائلة: آه طالبة جديدة، لم ألحظ حضورك، معك أستاذة العلوم، عرفينا بنفسك رجاءً، وقفت وقلت: مرحبا اسمي «منى جاسر» قمت بتحويل من كلية الهندسة إلى هنا، أجابت: أهلا بك، حسنا لنبدأ الدرس أين توقفنا المرة السابقة ؟.
انتهت حصص اليوم الأول، لممت حقيبتي وهممت بالانصراف ابتسمت لفتيات من طالبات الصف فبادلتني بنظرات استغراب وتجاهل، لم أعر ذلك اهتماما فكل شيء بالنسبة لي عادي ولن يعكر مزاجي. عدت إلى بيتي راضية بعض الشيء لأنني لم ألق وابلا من الاستهزاء والاحتقار على غير العادة، قصصت على أمي ما جرى معي في أول يوم والتي بدورها أمدَّتني بطاقة إيجابية وحضن دافئ ككل ليلة لتجعلني أقوى أكثر.
توالت الأيام وقررت أن أدرس بشكل جدي دون أن اكترث للمعيقات، لاحظت استغراب كل أستاذ يدرسني حين ينظر إلي في المرة الأولى وابتعاد الطلاب عني الذي جعلني منعزلة تماما عن الجميع، لكن هذا لم يمنعني من المواظبة والمشاركة واكتساح المرتبة الأولى بين طلاب صفي.
في نهاية الفصل الدراسي تلقيت دعوة لتكريم الطلاب الأوائل في الدفعة في كليتي، سررت لهذا وخفت بعض الشيء لأنني سأقابل العشرات وسأتعرض لعدد لابأس به من التعليقات الجارحة لكن وكالعادة لن يستفزوني ولوبالقليل.