لمحته من بعيد ينقض على الحمل الصغير... وتعالى صراخ زملائي المتحلقين تحت ظلال أشجار اللوز... صرخوا بأعلى أصواتهم محاولين تنبيه الراعي المنهمك في الحديث مع ابنه!
لم أصدق في البداية صقر ينقض على خروف صغير! هذا غير ممكن، الصقر بإمكانه أن يهجم على الأفاعي، الجرذان، سحالي أو أرانب! أما على حملٍ فمستحيل! إنه ليس صقر وإنما نسر، لكن النسور لا وجود لها في منطقتنا، وهي كالضباع أشد ما تشتهي الجيف!
عقاب، سمعت جدتي تقول إن العقاب ضخم يزن أكثر من الكبش الضخم كيلوغراما واحداً! وجناحاه مفتوحان على اتساعهما يساويا ثلاث شجرات متراصة! كرّ عليه بسرعة فأصابه في عينه اليسرى على ما بدا لنا...
الحمل يقاوم، يثغو... الأغنام الأخرى منشغلة بالتهام الأعشاب، والراعي غير آبه لذلك أيضا... هل هو طائر الرخمة؟ إني أتذكر أني لما كنت أدرس في السنة الثانية ابتدائي كنت مُهوساً بطائر الرخمة الذي كان يربيه عمي... يشبه الطائر الكوندور لكنه أصغر، كان يقيدّه بسلسلة حديدية في الركن الشمالي لفناء البيت، قريب من المرحاض...
وكنا نجلس أمامه في كل مساء، أنا، أختي وابن عمي فارس وأخته أمينة... وأشد ما كنا نرتاع من عيناه الحادتان، وتحديقه الصامت فينا! وبين الحين والآخر كان عمي يشتري له اللحم أو حوايا الضأن، وكان ذلك يثير تذمر زوجته وسخرية أبي! ويقول بأن عمي ارتكب خطأين، الأول بأن حبس الطائر المسكين بالسلاسل! بدل أن يتركه حرا في البرية، والثاني أنه يبذر نقودا، أولاده في أمس الحاجة إليها!
وكان عمي يقهقه قائلا بأن أبي لا يفهم شيئا فيما يخصّ هواية تربية الجوارح! وحتى اليوم لا أعرف كيف اختفى طائر الرخمة، ومتى؟ هل نفق؟ هل سُرق؟ هل التهمته القطط؟! أم أن عمي اقتنع بكلام والدي فذهب إلى البرية خارج مدينتنا الصغيرة وأطلقه؟ ليس صقرا، ولا نسرا، ولا عقابا، ولا رخمة.... صاح زميلي بلقاسم: أنه غراب، لا غربان.. غربان...
الغربان تهاجم الحمل! الغربان لا شأن لها بالحيوانات الحية، إنما متعتها الجيف والركض بين أكوام القمامات! صاح أحمد: نعم إنها غربان! وأضاف مصطفى غربان كثيرة! ازداد نعيق الغربان في السماء فلفت ذلك انتباه الراعي وابنه فنهضا فزعين!
فزع رهيب أثارنا! والعجيب أن الراعي الكهل لم يصرخ على أغنامه وإنما صاح فينا بأن نعود إلى بيوتنا... وقفنا قفة تحدي، وقد حمل كل واحد منا ثلاث حجرات في يده... هل نخاف الغربان أكلة الجيف؟ أسود الأفق باللون الأسود، وامتلأ المكان بنعيقها المفزع...