مهداة لروح شاعر الثّورة الكبرى مفدي زكرياء

مُصَدِّقٌ بِكَ

مبروك بالنوي

مُصدِّقٌ بِكَ حَدّ الدِّينِ يَنْعَقدُ  
فدَعْ خَصِيْماً لِمَا يَهْوَى وَيَعْتَقِدُ
خَمْسٌ وَخَمْسُونَ حَوْلاً جُبْتُهَا قَلَقاً
 إلاّ عُيُونَكَ تنْدَى وَهْيَ ترْتََََمِدُ
كُلُّ المَرَايَا الّتِي أَبْصَرْتُهَا ارْتَحَلَتْ
 نَحْوَ المَنَافِي يُلالِي دَهْرُهَا النَّكِدُ
لَهْثَى عَوَاصِفُهُ وَالرَّيْحُ وَاقِفةٌٌ
غَضْبَى العُيُونِِ عَلََى الأَبْعَادِ تَزْدَرِدُ
وأفْقُهُ طَبَقٌ ثَاوٍ عَلَى طبَقٍ
مِنْ ظُلْمَةٍ لِصَرِيمٍ ظَلَّ يَنْجَرِدُ
إلا وَمِيْضاً تَرَاءَى خَلْفَ مِحْنَتِنا
خَفْقَ الشَّرَارِ تَلاَشَى إنّهُ بَدَدُ
فَاهْتَاجَ مِنْ هَوْلِهِ بُسْتَانُ أُلْفَتِنَا
والأَرْضُ تَصْمَي كَأَنْ فِيْ جِيْدِهَا مَسَدُ
رَاحَتْ تُنِيْخُ عَلَى جُرْحِي مَوَاجِعَهَا
مِنْ حُزْنِهَا السَّرْمَديِّ الدَّمْعِ إِذْ يَقِدُ
فَصُحْتُ يَا سَيِّدي هَلْ هَذِهِ كُسُفُ
ممّا تخوّفتَ أمْ قدْ زُلْزِلَ البَلَدُ
وَانْجَابَ عَنْ وَجْهِكَ الوَضَّاءِ لَحْظَتَهَا
غَيْمُ الرَّدَى واسْتَكَانَتْ بَعْدَهُ النُّجُدُ
مُصَدِّقٌ بِكَ هَذَا النَّخْلُ مُرْتَعِدٌ
أحْنَى عَرَاجِينَهُ تَدْنُو وَتَبْتَعِدُ
حتّى كَرَانِيفَهُ رَاحَتْ مُجَانِفَةً
جُذُوعَهَا فَرْطَ مَا أَلْوَى بِهَا الأَوَدُ
والآنَ قَامَ شُمُوخاً فِي مُكَابَرَةٍ
ما وَشْوَشَتْ سَعَفٌ إلاّ وَيَعْتَضِدُ
يَنْسَابُ صَوتُكَ قُمْ يا سَيّدي أَسَفاً
وَأَلْفُ عُذْرٍ فَإِنّي مُدْنَفٌ شَرِدٌ
أَحْسَسْتُ أَنَّ المَدَى لِلْجُرْحِ يَحْمِلُنِي
وإِنَّنِي رُغْمَ أوْجَاعِي لَهُ غَرِدُ
وَقَابَ قُوسِينِ أَوْ أَدْنَى تَكَلَّمَ لا
مِنْ جَانِبِ الطُّورِ بَلْ مِنْ دَاخِلِي يَفِدُ
يَقُولُ لي أيُّهَا الذَّاكِي بِجَمْرَتِه
كَفَى بِقَلْبِكَ هَمٌّ ظَلَّ يَطَّرِدُ
إلى مَ تَسْهَرُ دون الخَلْقِ في وَجَعٍ
يُورِي دِمَاءَكَ حَدَّ الجُرْحِ يَتَّقِدُ
والفَجْرُ دُونَكَ مَهْمَا غَالَهُ غَبَشٌ
كُلُّ الشُّمُوسِ عليه الآنَ تَنْعَقِدُ
فَهُزْ إلَيْكَ بِجِذْعِ البَدْءِ فِي ثِقَةٍ
لا تَسْأَلَنْ رُطَباً مِنْ غَيْرِهِ تَرِدُ
بَسَطْتُ كَفِّي لِنَجْمِ اللَيْلِ قَالَ أَجَلْ
مَازَالَ فِي القُطْرَةِ الطُّوفَانُ يَحْتَشِدُ
خُذْ نِصْفَ ذَاكِرَتِي مِنْ عِشْقِ سُنْبُلَةٍ
جَذْلَى تَرَاقَصَ فِي أَنْدَائِهَا الَّرغَدُ
يَا سَيّدي لا الرُّؤَى أُبْكِيْكَ بَلْ زَمَنِي
فيه تَرَاخَتْ مَوَازِيْنُ الهَوَى تَصِدُ
قُلْ لِي بَلَى كيفَ هَّذَا النُّورُ يُطْفِئُنِي
وَيَخْتَفِي قَمَرِي مِنْ فَرْطِ مَا أَجِدُ
كُلُّ الحِكَايَةِ شَكْوَى إِخْوَتِي هَجَرُوا
جُرحِي فَكَيْفَ بِهِ وَحْدِي هُنَا أَحِدُ
كَيْفَ اسْتَحَال دَمُ الثُّوَارِ فِي أَسَفٍ
مَاءً يُرَاقُ عَلَى زَهْوٍ فَيَنْجَمِدُ
يَصُوغُ في جُرْحِكَ المَفْتُوحِ قَافِيَةً
يَنْدَى لِتَأْوِلِهَا فِيْنَا الدَّمُ الحَرِدُ
عَشْرٌ عِجَافٌ نَشَرْنَ المَوتَ أُغْنِيَةً
مِنْ لَحْنِهَا تَتَعَرَّى الرُّوحُ والجَسَدُ
لاَ عَاصِمَ اليُّوم مِنْ طُوفَانِ غَضْبَتِهَا
لاَ السَّفْحُ لا جَبَلَ الأَوْهَامِ قَدْ يَطِدُ
إلاّ رُؤَاكَ وَطَيْرُ الفَجْرِ يُوقِظُهَا
نَدىً فَجَاءَتْ عَلَى اسْتِحْيَائِهَا تَخِدُ
مُصَدِّقٌ بِكَ إلاَّ أَنَّ أَزْمِنَتِي
جَرْبَاءَ فِيْهَا تَسَاوَى الغَيُّ وَالرَّشَدُ
وَحْدِي هُنَا حِيْنَمَا اسْتَغْفَلُوا أَبَتِي
هُمْ عُصْبَةٌ كَيْفَ بِيْ ذَا الذِّيْبُ يَنْفَرِدُ
واسْتَأْمَنُوهُ فَهَلْ حَقّاً بِهِ أَمَنُوا
حِيْنَ اقْتَدَوا وَعَلَى أَفْعَالِهُمْ شَهِدُوا
فَلْيَطْرَحُونِي هُنَا أَرضاً عَسَى قَدَراً
يَخْلُو لَهُمْ وَجْهُهُ مِنْ بَعْدِمَا اجْتَهَدُوا
مَا أَنْ يُؤَذَّنَ أَنَّ العِيْرَ سَارِقَةٌ
يَخْفَى الصُّوَاعُ بِرُؤْيَانَا الَّتِي تَعِدُ
خَمْسٌ وَخَمْسُونَ هَا، مُدْهَامَتَانِ بِنَا
هَذِي المَآسِي، وَهَذَا الطَّارِقُ النَّكِدُ
يَسْتَفُّهَا العُمْرُ أَحْلاماً مُؤَجَّلَةٌ
كَمْ أَتْعَبَتْنِي ظُنُونِي حِيْنَ تَنْصَرِدُ
خَبَّأْتُهُنَّ بِطَلْعِ النَّخْلِ مِنْ قَلَقِي
والرَّمْلُ شَفَّ بِهَا مِنْ فَرْطِ مَا يَكِدُ
كَذَّبْتُ قَلْبِي وَأَوْهَامِي عَلَى أَمَلٍ
صَدَّقْتُهَا، رُبَّمَا دَهْرِي بِهَا يَلِدُ
مَا اسْتَطْعَمَتْ غَيْرَ لَحْمِي بَلْ دَمِي شَرِبَتْ
هَذِي الظِّلاَلُ، وَكَمْ يَلْوِي بِهَا الأَمَدُ
لَعَلَّهَا أَيْقَظَتْ جُرْحِي عَلَى زَمَنٍ
كَمْ يُسْتَفَزُّ بِهِ المُسْتَنْصَرُ الجَلَدُ
دَسَّتْ حَرِيْقاً بِغَيْمٍ مِنْ مَوَاجِعِنَا
وَاسْتَمْطَرَتْهُ فَهَا تُدْمَى بِهِ الكَبِدُ
تَعْلُو سَحَاباً فَمَا يَزْدَادُ آمِلُهَا
إلاَّ بِأَوْجَاعِهِ جُرْحاً فَيَنْفَصِدُ
إِلاَّكَ يَا سَيّدي تَمْحُو غِوَايَتَهَا
إِذْ تَسْتَدِرُّ مَدَاهَا حِيْنَ تَقْتَصِدُ
مُصَدِّقٌ بِكَ إلاّ أنَّنِي وَهِلٌ
يَا شَاعِرَ المَغْرِبِ المَفْطُورِ مُنْخَضِدُ
مُسْتَرْفِدٌ مِنْكَ هَمّاً أَبْلَحَتْ غَسَقاً
فِيْنَا عَرَاجِيْنُهُ إِذْ جَاءَهَا المَدَدُ
يَا شَاعِرَ الثَّورَةِ الكُبْرَى الَّتِي أَكَلَتْ
أَبْنَاءَهَا كَيْفَ هَذَا النَّبْتُ يَنْحَصِدُ
وَكَيْفَ رَابَتْ بِهَا أَرضُ الرُّؤَى تَرَحاً
وَالعَالَمُ اليُومَ شَرٌّ مِلْؤُهُ عُقَدُ
يَا سَيّدي لَمْ يَعُدْ يُصْغَى لَنَا - قَسَماً -
إِذَا نَطَقْنَا، دِمَانَا الآنَ تَبْتَرِدُ
وَالمَغْرِبُ العَرَبِيُّ الحُرُّ مَسْبَعَةٌ
عَلَى الطَّرِيْقِ وَمِنْهُ الغَيْرُ يَرْتَفِدُ
يَمْضِي مَهِيْضَ الجَنَاحِ، اسْتَمْطَرُوا سُحُباً
مِنَ الخِلاَفِ عَلَيْهِ الآنَ إِذْ حَقَدُوا
كَيْفَ اسْتَحَالَتْ مَرَايَا الحُلْمِ مُعْتِمَةً
 أَشَمْلُنَا فِيْهِ مُلْتَمٌّ وَمُتَّحِدُ
حَتَّى نَزَفْنَا عَلَى أَشْلاَءِ أُمَّتِنَا
فَمَلَّنَا الصَّبْرُ، وَاسْتَشْرَى الهَوَى الوَمِدُ
وَرُحْتُ أَجْمَعُ خَوفاً مَا تَنَاثَرَ مِنْ
مِرْآتِنَا فَزُجَاجُ الذَّاتِ يَنْسَرِدُ
مُصَدِّقٌ بِكَ عُذْراً لاَ تَقْلْ وَهِنَتْ
هَذِي القُلُوبُ وَلاَ أَصْحَابُهَا خُضِدُوا
مَا زَالَ بَعْضُ المُرُواءَاتِ الّتِي رَشِحَتْ
فِيْنَا تُلاَلِي وَإِنْ بِالزَّيْفِ تُنْتَقَدُ
يَا سَيّدي...فَتَلاَشَى الصَّوتُ في حَلَقِي
ثُمَّ اسْتَفَقْتُ وَهَذَا الوَجْهُ يَبْتَعِدُ
لاَ شَيْءَ، مَا كَانَ إِلاَّ الحُلْمُ مُرْتَحِلاً
بِنَا وَإِلاَّ الرُّؤَى مِنْ جُرْحِنَا تَرِدُ
يَا سَيّدَ الثَّورَةِ الكُبْرَى وَ شَاعِرَهَا
كُلُّ الأَمَانِي عَلَى ذِكْرَاكَ تَسْتَنِدُ
كُلِّي جِرَاحٌ وَلَكِنْ رُغْمَ مَنْدَبَتِي
مُصَدِّقٌ بِكَ إِلاَّ أَنَّنِي كَمِدُ

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19791

العدد 19791

الخميس 05 جوان 2025
العدد 19790

العدد 19790

الأربعاء 04 جوان 2025
العدد 19789

العدد 19789

الثلاثاء 03 جوان 2025
العدد 19788

العدد 19788

الإثنين 02 جوان 2025