نزل علينا الخبر مفاجئا، حتى أننا لم نصدق، وأغلبنا لم يرغب في التصديق، أطيب رجل في مدينتنا الصغيرة تُوّفي ! كلنا يحترمه، يحبّه، ولا يُوجد من لا يوّدُ أن يجالسه والتحدّث إليه، الموت حق، لكنه تُوّفي في حادث يعتقدُ كل واحد منا أنه عمدي، والمثير أن لا أعداء له، ولم يُر قط متشاجراً مع أي أحد من الجيران ولا من الآخرين !
كان يمشي على الرصيف، ولما اقترب من بيته بضعة أمتار سقطت قرميدة فوق رأسه، سالت الدماء من رأسه بغزارة، وقبل أن تصل سيارة الإسعاف كان قد فارق الحياة،جاءت الشرطة، وفتشت المكان، من أسفل حتى أعلى، كل البنايات كاملة، ولا يوجد بناء لم يكتمل، ولا وجود للقرميد أو الرمل ..
إذن من أين أتت قطعة القرميد؟..
الفاعل مجهول؟!
القرميدة لم تسقط بفعل الجاذبية أو هبوب الرياح وإنما رُميت.. وقُذفت بقوّة من الأعلى الى الأسفل من رماها ؟ أين فرّ ؟ ..
شكّ بعض الجيران في قادة ! فقط، لأنه مختلف، ويتصف ببعض العدوانية، لكنه حضر الجنازة، والدفن، وعزّى أولاد الفقيد وبكى، بل وناقش بحماس عن الهارب الذّي ارتكب الجريمة وفرّ ولما سألوه لماذا يجزّم أنه فر، قال: فرّ لأني متأكد أنه ليس من الجيران، جيراني وأعرفهم، وأعرف حبهم للفقيد، واحدا واحدا، وسألنا الجيران، إذ زارهم ضيف مشبوه، ذكروا أسماء بعض الضيوف الذين تعوّدوا زيارة مدينتنا الصغيرة بين الحين والآخر، يأتون ويذهبون، رجال، نساء وصغار، أما رجل مشكوك فيه فلم يستطيعوا تحديد ذلك ..
شعرنا جميعا بالارتباك، الحزن، أما الخوف فصاحبنا لمدّة طويلة، إذ صرنا نمشي وننظر الى الأعلى خشية أن تسقط قرميدة، وفجأة زال ذلك الخوف، لكن لا أعرف بالتحديد متى زال .