مساء رهيب، تبكي فيه المدينة ليسودها ضجيج وصخب يتناقض مع الهدوء والسكينة اللذان يعمانها بالعادة، مساء علا فيه صوت الانفجار مُدوياً هدوء المدينة؛ ألمُ الدمار يغزو نظرات قاطنيها، والحزن خيّم على ساحاتها وزقاقها فانطفأت أنوارها، وذاك نداء الحداد يُغالب إشراقة فجر اليوم القادم.
تمنى الجميع لو أنه وهم أو كابوس غرقت فيه خواطر الشعب الأبيّ، حملقوا بشرود في تفاصيل الكارثة، مضوا يستذكرون بأذهانهم تفاصيل ما حدث، يُدركون الحقيقة المرّة ولا يقوى أحد عن الإفصاح عما يُخالج وجدانه من انحسار وخيبة.
هنا أمطرت السماء بعز فصل الصيف، أمطرت الغيوم دموع الفقد والتعزية للفاجعة التي ألمت بلؤلؤة الشرق الأوسط، هنا عمّ الظلام والشمس لازالت منتصبة تعانق آفاق السماء ؛ هنا رأينا السواد وجفوننا لم تغمض قط.. إنها هواجس المصيبة تُحيط بنا.
ذبل ورد بيروت من عويل النحيب المتعالي بالأنحاء، تجمدت القلوب والأجساد من أهوال الصدمة، تساقطت البنايات والأرواح تباعا، شبح الموت يترصد العالقين تحت الأنقاض ويتسلسل للمستشفيات ليخطف نفوسا تتخبط بين الحياة والهلاك.
اختفى متجر الكعك الصغير، وغاب صوت الحكواتي بالمقهى الشعبي لم يكمل القصة، لم يغلقوا المتنزه .. هكذا اندثر كل شيء وبقيت الآثار شاهدة على الفاجعة، دم وجثث؛ غياب وفقدان.. وحضن بيروت يكبر ليحضن كل أبناء هذه الأرض الطاهرة.
هنا لبنان، يتلاحم شعبك الحر لتلد الأزمة همة. بين جلبة الفاجعة ارتفع صوت الوطنية يشدُو» نموت لكن يحيا الوطن» ؛ فالوفاء لا يعرف الخوف من الموت. كسر الانفجار زجاجك وطرت كنجمة تحُفها صلوات الأفئدة، سنزرع الياسمين وسط الدمار لتزهر في الربيع القادم لنزُف بيروتا عروسا ونتسامر في المرفأ على لحن أغنية فيروزية، يمر بنا الفرح يجدنا نبكي وفي الحين نفسه نضحك إلى بيروت نتلو السلام .