ثقوب صغيرة تتكاثر على وجه القلب، تتمدّد بسرعة محوّلة إياه إلى مصفاة ينساب من خلالها حبر أسود، ثم يأخذ في الاتّساع كبقعة زيت لا تلبث أن تتناسل داخلي حروفا تنتحر على أعتاب الشّفاه.
وجع شرس يبتلع كل آلامي المنزوية في أقاصي الروح، يقتات عليها حتى يتضّخم ليستحيل غولا برأس تنين وجسم أخطبوط،
التنين ينفخ ألسنة اللهب على رأسي، فتجف المآقي قبل أن تحبل بالدمع، وتتهاطل الأهداب حزنا محترقا يتدثر بالرماد والأذرع اللّعينة تمتد وتمتد، تخنقني، تكبّل أطرافي، تشل حركتي، أراقبني والغول يعيث فسادا في جسدي، نابه الأزرق يزرع جلدي أوشاما...
أبحث فيّ عنّي، عن صوتي، أستنجد بالصراخ، فتمتد ألسنة اللهب مضرمة الصمت في حنجرتي. وإذ أنا أشرف على التيه في اللاّشيء، إذا بأنين خافت يتناهى إلى مسمعي، أعرف هذا النغم المتشح بالشجن؛
«أعطني حريتي أطلق يديّا
إنّني أعطيت ما استبقيت شيّا
آه من قيدك أدمى معصمي...لم أبقه ولم يبق علي» ينهمر اللحن فوق جبيني زخات مطر بارد...
دفء يحط على وجنتي برقة فراشة
تنحسر النيران من حولي فجأة، ترتخي أذرع الأخطبوط، تتحرر أطرافي، يتضاءل الغول حدّ التلاشي.
أفتح عينيّ على ابتسامة «لا بأس عليك، كان كابوسا»
أستسلم لنداء الحضن المشرع كوطن، وأهرب من خيالات الكابوس المقيتة إلى شاشة التلفاز، أتابع في سكون بكاء أم كلثوم على الأطلال...يعلو نشيجها: «يا حبيبي كل شيء بقضاء...
لا تزال الثّقوب الصغيرة تتكاثر على وجه القلب، ولا يزال الحبر يتناسل داخلي حروفا تنتحر على أعتاب الشّفاه.