ما أشد وطأة الإحساس بالجبن إذ أيقنت بأني لا أساوي شيئا. اجتاحني ذلك الإحساس العنيف لما لمحت أولئك الجنود الفرنسيين الثلاثة يجرون طفلاً صغيرا ! تضآلت نفسي ...
أنا أؤمن بالثورة، وأقرأ تقريبا كل ما تنشره جبهة التحرير الوطني، وأبغض فرنسا منذ أن كنت طفلا ، قبل أن تندلع الثورة بسنوات ... لكن ما كنت شجاعا ولا امتلكت تلك الشجاعة التي يمتلكها ذلك الطفل الذي لمحته وأنا في طريقي الى البقالة!
ثلاثة جنود ببزاتهم العسكرية الحاقدة والمستنفرة، ورشاشاتهم وخوذاتهم المتجبرة يمسكون طفلا و يجرّونه بعنف حاقد وسط شارع خالٍ إلا مني أنا، ومن صاحب البقالة وامرأة تنظر إليهم باحتقار وتدعو الله أن يخلصنا يوماً من الظالمين...
جندي يمسكه من يده اليمنى، والأخر من مرفقه الأيسر، والثالث وراءهم يدفعه ويضربه بقوة على قفاه بيده، ثم يركله ركلاً شديدا ... الركل والضرب تصاحبها أشد عبارات الشتم!
الطفل كان متماسكا يصرخ تارة بالعربية: تحيا الجزائر حرة مستقلة! ثم يخاطبهم بلغة فرنسية متقطعة بأن تضحية الشعب لن تكون نهايتها إلا الاستقلال... الشعب لن يرضى بغير الحرية كاملة!...
وبدا لي أن هذا ما كان يثير الجنود فيشتدون في الضرب لأنهم يفهمون معنى ما يقول ، المعنى الحقيقي، ليس الشعب فقط ضدهم وإنما أجيال المستقبل من أطفال وشباب! ولما يكون الأطفال مثل أبائهم لا يرضون بغير الحرية فحتما ستكون نهاية الاستعمار قريبة، وقريبة جدا ...
فلما كان يتلفظ ذلك بالفرنسية يضربونه بقوة...
وعلى طول الشارع الخال كانوا يضربونه تارة ... يركلونه تارة ... ويشتمونه تارة أخرى ... حتى أوصلوه إلى السيارة العسكرية القابعة في أقصى الزاوية من الشارع ...
كانت أعيننا نحن الثلاثة فقط تتابعهم، أنا، البقال والمرأة المرتدية للحايك التي كانت تنظر إليهم منذ أن أمسكوه . وكان البقال أكثر فضولا مني فسألها ابن من ذلك الطفل؟ وهل تعرفينه؟ هل هو من سكان حينا؟...
نظرت إليه المرأة طويلا ثم تحولت نحوي وقالت بأسى وافتخار : ــ إنه ابن الشعب !