حُبست في قبو به رائحة أثاث قديم ورائحة الوحدة أو شيء يمتزج بينهما... لا أكاد أُميز أبعاده أو موقعي وسطه لكُثرة الظلام الدامس فقد مرت مُدة لم تتسرب فيها خيوط الشمس الرقيقة إلى هنا، عبر شقوق النافذة الرثة.. حتى إنني نسيت كيف يكون شكل قوس المطر، أو ما هي طقوس الربيع المُعتادة لإحياء قدوم فصل الربيع. إني أقبع هنا بمُفردي منذ الشتاء الماضي، أشعر بالضياع يتسلل لداخلي واليأس ملتصق بجلدي علاوة على أن صور العالم الجميلة تتلاشى من مُخيلتي، أسمعُ دوِي الأصوات خارجاً ولا أَستطيع تمييزها.. غريبةٌ هي حواسنا أحيانا تأبى مُساعدتنا على استرجاع قطع ذاتنا الضائعة.. إني أفقد السيطرة على ذاتي في هذا السجن، وأكاد أُجن حين أدرك أن سجني الحقيقي هو « ذهني « جسدي صار صيحةً طويلة مُربكة لنفس مُحطمة تحاول بعسر جمع أشلائها بغير جدوى.
أستلقي وسط هذا الغبار، لأرى ذكرياتي منثورة أمامي؛ أسمعها وأعيها فأترجمها جملا وكلمات متفرقة أحفظها بها من التلاشي. فلا مهرب من هذه العزلة سوى الكتابة.سأنظر صوب المرآة للمرة الألف في محاولة قراءة وجوهي المتلبدة المتخفية خلف غبار هذا الزمن. في محاولة العودة من جديد، والحياة مرة أخرى. سأتشكل من الحروف بإدماني لعادة التدوين والكتابة وسأتعاطي مراقبة النجوم ليلاً لصقل الجنون الذي يعتريني حالياً ؛ فلطالما نجحت السماء في تهذيب ذاتي المتمردة
إني أحاول بشدة مجابهة هذه الروح المُتجمدة، إني أحاول بكل قوة سد الثغراتِ التي أحدثتها السنون في أيام العزلة إني أحاول الهروب من نفسي رغبة في العيش قبل فوات الأوان.. هذه العزلة ستقلتني.