كنت أرتشف قهوتي، بعد أن غيّب آخر عصفور إلى وكره...شارع مليء بالمارّة عنوانه»فقدت سعادتي»...جُلت بناظري، استحضرت مشاعري...قرأت أديمهم، مشيتهم...كنت في ركن من شارع شعبي...زاحم بعد العشي-مقهى الأحباب-...تأمّلت اللافتة، كانت توحي بحالها، تكذّب من بها...خاطبتني متأوّهة: أتيت متأخّرا بعد سنين، فما عادوا مستمعين...كنت أيامها بنت العشرين، اسمي ناطقوه...رائحين ومغتدين...ما عادوا اليوم قانعين...استجمعت أفكاري محاولا الرّد، خانتني النبرات بعدما رأيت مقلتيها كلمى بالعبرات...أنا لهم، أعرف حالهم، سأبحث في ماضيهم، في آلامهم، تحت وسائدهم، في مذكراتهم...ستعود القهقهات وزهر النرد على الطاولات، مواويل العرب والمقامات... سيُملأ المكان، وتعود نضارة وجهك...أعلم الترياق، خلطة من ماء القناعة، جرعة من إكسير الطاعة...سيزول البؤس، وتنتهي العدوى...تهكّمت ساخرة: يا طبيب التقوى، أتحسب هذا منه جدوى؟...أجبتها كواثق: إن لم يكن يا لافتة الأحباب فأنا بالنّار أكوى...وفي غمرة التأمّل والبحث والتعقّل باحثا عن الدوا ، لأشفي قلوبا وأزيل شرّ النّوا... كراسٍ، فناجين شاي، العم محمود ورفيق دربه مسعود كعاد وثمود، بل تخطّى الحدود...دماء تسيل من علِ...رفعت رأسي، صاحب المقهى مشدوها: قتلتم البريئة بغير ذنب...يا له من جحود...تأسّفت لموتها وهممت بالانصراف...ماتت وما رأتهم سعداء في كفاف...عرفت حينها أنّني باحث عن قطرة في جفاف.