لن أنسى تلك الأيام التي قضيناها بين جدران مدرسة قريتنا الوحيدة، كانت على أيامنا صغيرة لكنها كانت تسعنا جميعا،هي نظيفة وبهية الألوان لم نر في قريتنا مكانا يريح النفوس غيرها ... كان معلمنا عمار كلما لاحظ أوساخا بدأت تتجمع على جنباتها إلا واقترح علينا حملة للنظافة وجمع الأوساخ فكنا نقوم بذلك وبكل سرور، أما معلمة الفرنسية فقد كانت ترافق الفتيات لتنظيف الحجرات وقاعة الإطعام حتى تستحيل مدرستنا جنة على الأرض. هكذا كانت قريتي بشوارعها النظيفة وساحاتها التي تسحر الألباب ... تعجب التلاميذ من كلامي الذي لم يقنع كبيرهم ولا صغيرهم وهم يشهدون على زمن تردت فيه الأخلاق وأصبحت النفايات ديكورا في شوارعنا وساحاتنا، أما المدارس فقد تتألم لحالها الذي يحزن عليه العدو قبل الصديق ... مسكينة هي مدرسة قريتنا الوحيدة وما تعانيه من ظلم الإنسان، وأنا أمر ببابها الذي صار حديديا وأتأمل وجهها الشاحب الهزيل وكأني بها تسألني: أين ذلك الجيل الجميل، وما الذي أصاب الأجيال ... وبينما أنا كذلك إذ عبراتي تنهمر مدرارا علّ القادم فيه خير للجميع ...