في حضنِ نرجسةٍ
توسّدَ طائرُ الشوقِ احتضارَ الضوءِ
والتفّتْ على أطرافهِ كلّ الغصونِ،
وكانَ ليلُ الوجدِ يجدلُ ثوبَـهُ
من نهنهاتِ الصمتِ،
كانَ الوقتُ ينزفُ من ثوانـِيهِ المدى،
قبلَ انسلالِ الكونِ من بطنِ المرايا،
قبلَ طوفانِ اليمامِ،
وقبلَ أن تطوي السماءَ الشمسُ،
مرتْ لحظةٌ حرّى،
كطَـرفَـةِ ناظرٍ جرحَ الوداعُ جفونهُ،
وتحجرتْ صَـرَخَـاتُ لوعتهِ،
وضجَّ السمتُ بالقطرِ الذي نَـثَـرتْ زهورُ الفجرِ،
وانداحتْ على ثوبِ الحقولِ سنابكُ النجوى،
أشاحتْ عن نُـهَـيراتِ الضياءِ،
وأمسَكَتْ ببقيةٍ من عطرهِ ..
كانَ الرحيلُ يدقُّ أبوابَ المساءِ،
وكانَ كلُّ الخائفينَ على ذراعِ النهرِ،
يُـلقُـونَ الأضاحي،
يُسرِجُـونَ مباخراً
ويُـرقرقونَ دموعهمْ،
وعلى جَـريدِ الروحِ
يطفو شاحباً سيلُ الشموعِ،
أكانَ بين النخلِ،
حين توسّدَ الأطيافَ
بعضٌ من صهيلِ الفجرِ،
آخرُ ساربٍ بين اختلاجاتِ الغروبِ،
وهل ستبقى شِقّةُ الصبحِ البعيدِ
بعيدةً!
قالتْ: سنَـرجِعُ،
قالَ: لا أدري،
وبينَ حروفهِ لمعتْ بروقُ الحربِ،
واشتدّ الفراقُ،
ألمْ تقل يا وردُ،
أنّ صباحنا آتٍ،
فأطلقْـنَـا النوارس
واسْـتَـبَـحنَـا في ربوعِ الحٌـلمِ
أسْـدافَ العناقِ،
كأننا في باحةِ الذكرى
نلمُّ السيسبانَ
وننضوي في كلّ زاويةٍ
من البيتِ العتيقِ
نقايضُ الدمعاتِ
بالناي المزجّجِ فوق آنيةِ الغروبِ،
ونذرفُ النغمَ اليتيمَ،
وكانَ في أعلى الجرارِ
شغافُ تلكٓ الأرضِ منتحباً،
ونازلةُ المسا، تتلو أناشيدَ البطولةِ
ثم تكبو مثلَ عاشقةٍ
على ذاكَ الأريجْ .
أستودعُ الفجرَ البعيدَ مُسافـِري،
وتحثُّ فوقَ نشيجِها
خبزَ النشيجْ.
دارتْ بنا الأيامُ
والطُرُقاتُ تملؤنا اغتراباً،
لاسبيلَ إلى الربوعِ
ولا الى الغدرانِ حيثُ نتوهُ فرطَ الشوقِ،
لا القصبُ الذي شطّتْ مرابِـعُـهُ،
وصرنا مثلَ ذاك النرجسِ الغافي على بحرِ الشموعِ،
نطوفُ بالأيامِ
نٓوْحَ يمامةٍ ثكلى،
نودّعُ كلّ يومٍ نورساً،
ونقايضُ الذكرى بدمعٍ طافرٍ.