خاطرة

صمتي

اسنات بوعزيز سطيف

صوت عقارب المنبه على مكتبي تقتلني..تذكرني بثقل هذا الزمن حين تنتظر شيئا أو أحدًا..كم هو طويل زمن الانتظار..ذلك المنبه الأبله يعلن السابعة من صباح يوم ثقيل على الذاكرة..لا أستطيع تجاهل الساعة كأني أصبحت مهووسة بالزمن..مع أنه بلا معنى و لا أهمية..زمن يمضي و كفى..تتجاوز عقارب ساعة ذلك المنبه تلك الأرقام مخلفة وراءها دواوين الزمن الحزين وأنا ما أزال قابعة في مكاني وكأني إن تحركت ستتغير خريطة العالم أو يختل توازن الكرة الأرضية..محاولة بأن أبوح لذلك العقرب الطويل اللّعين بما يتوارى وراء صمتي..
لم أكن أعلم أن للصمت كل هذه الأسلحة الفتاكة ليجعل قلبي و عقلي أشلاء مبعثرة على جانب طريق طويل من الكدمات غير المنتهية..أنا التي كنت أهرب دائما إلى الصمت لأتجنب المواجهة..كان سلاحي الواحد و الوحيد لأرد به شيئا من الألم..هم يريدون صمتي و أنا ما عدت للصمت بالية..ينعشون أنفسهم من كثرة صمتي و أنا جاعت حبال صوتي للكلام و الصراخ..
أريد البوح بمكنون صدري فما وجدت إلاّ ذلك العقرب أحكي له ما يخنقني..كلما أردت البوح تهجرني كلماتي..تخونني أحاسيسي..سكوتي لهم نعمة و لي ألف نقمة..اتخذت منه في البداية سلاحي و قلت أن الصمت لغة العظماء.. فإذا بي أدمنته..عشقته.. دون أن أدري أنه يوما ما سيصير قاتلي..و يا لكيد المعشوق حين يتسلح بعشق عاشقه..
لقد أحطت نفسي بجدار الصمت فلم أدعُ أحدا إلى داخله..و لم أغامر بالخروج منه حتى..لم يشعر أحدا أن صمتي مليء بالكلام..أصمت حين تؤلمني جراحي وأقسى من حنين الجرح صمتي.. صمتي يشعرني أني أكبر من عمري..أكبر بأحزاني المتثاقلة والتي قررت أن تجعل من روحي مسكنها الدائم.
أما الآن ها هي كلماتي تتحداني وتذكرني بحقيقة لم أملك يوما القدرة على مواجهتها..ما هذا السحر الذي تمتلكه الكتابة..؟! كيف لي أن أتعرّى بالكتابة ولم أفعل ذلك يوما ما حتى مع نفسي..؟ كيف لي أن أُقرّ هنا بحقيقتي التي أهرب منها كل مرة..؟! لكن في النهاية هل سيتغير شيء بالكتابة؟؟ هل شأ شفى من حقيقتي الهشّة و صمتي العنيد؟؟
ما ذنب فتاة في العشرين من عمرها لترمي بها الأقدار في هذه البقعة من الأرض..؟ لكني سأكتب و عبر الكتابة سأجد بالتأكيد ذلك السر في معنى وجودي على هذه الأرض..
أعرف تماما أني في أحيان كثيرة أكتب أشياءً قاسية جدّا..لكن الكتابة هي متنفسي الوحيد..حقيقتي التي أواجهها بكل قسوتها وجمالها..بكل المنعرجات التي نتحاشى حتى التفكير فيها وحدنا أمام ذلك العقرب اللعين.. هم يرغبون صمتي و أنا أريد صوتي..فلم أجده إلا عن طريق كتاباتي..

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024