قصة

حمام العاصمة

عبد القادر رالة

كأي طفل صغير يقطن مدينة صغيرة تقع أسفل الهضاب العليا، ليس هذا الطفل بل جميع أترابه كان فؤادي المرح وقلبي الصغير معلقاً بالحمام، وبالأخص في عطلة الربيع وعطلة الصيف. كان اصطياد الحمام من أحب الهوايات إلى قلبي...
كانت هناك طريقة وحيدة وان كانت قاسية، وفي بعض الأحيان تتسبب في موت الحمامة أو القمري! وهي رميه بالحجارة، باستخدام اليد، ولكن الشائع كان استخدام البيركالي وهو نوع من المقاليع المفضلة إلى الأطفال، يُصنع من أغصان أشجار اللوز أو بقايا قضبان حديد البناء، ويكون على شكل  حرف في الفرنسي ويربط طرفاه بشريط مطاطي نستخلصه من بقايا العجلات الداخلية للسيارة.. ونضع فيه حصى صغيرة، ثم يتم الجذّب بكامل قوتنا ثم نرمي.. وكلما كان الشّد قويا  كان التصويب بعيدا وفعالا، حتى إذ أصبنا الحمامة في عينها أو منقارها فإنها تموت فوراً.
وفي مدينتنا الصغيرة كان ثلاث أطفال فقط اكتسبوا مهارة التصويب وعدم الخطأ في إصابة الهدف، مهما كان الطائر بعيدا، محلقا في السماء أو جاثما فوق أسطح المنازل، أنا بكل تواضع، وزميلي وصديقي وجاري أمين،ولطفي ذاك الطفل المميزّ الذي كان يسكن حياً آخر.
لماذا نصطاد الحمام دون غيره من الطيور، لا أحد منا يعرف وإنما هواية متوارثة بين الأجيال، ربما لأنه جميل ومثير وجذاب فهو ليس بالطائر الصغير جداً مثل الزرازير أو طيور الدوري، وليس برياً مثل القبرات، ولا هو بشع مثل الغربان أو البوم، الطائر الليلي الذي لم نره وإنما نسمع عنه، أما اليمامات والخطاف فقد كانت تزورنا بين الحين والآخر وليس دائما.
لكن ما كان يعذبني ويحزنني أن الحمامات سرعان ما تكون نهايتها  الهلاك، فإننا نضعها في علب كرتونية فتختنق لأننا لا نفكر في ثقوب للتهوية وإنما خوفنا أن تفر.. وفي بعض الأحيان تنقض عليها القطط فهي لا تستطيع التحليق لأننا قصصنا أجنحتها...
وإذ نجت من الاختناق والقطط فإنها نحن من نقوم بخنقها بأيدينا أو ضربها على الحائط بعنف لما نكتشف أن الطائر أنثى وليس قمري. أنا لم أكن أفعل ذلك لأني لا أستطيع وأخاف توبيخ والدي الشديد.
كنا نفضل القمري لأجل التفرج عليه وهو يصارع قمريا آخر، ينفخ حوصلته ويصدر هديلاً غاضبا...
طالما كنت اغبط أطفال العاصمة فكما شاهدت في التلفزيون الحمام يملأ الساحات والأرصفة ولا يخاف منهم، ويمكنهم أن يقتربوا منه ويلمسوه ويعطوه القمح أو فتات الخبز!

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024