أنتم دائما تسخرون مني. لا تندهش، وأنا لستُ مثلكم ساخراً، وإنما أقول لكم الحقيقة، فأنا أحن الى مسقط رأسي في الريف، فقد سئمتُ من المدينة، وكرهتُ هذا المصنع بالذات، وعماله، وموظفيه، من مديره، وفتياته الجميلات!
أحتاج إلى يومين فقط أقضيهما في الريف لكي تعود إلى روحي وتوازني ويختفي كل ذلك الحزن والقلق. جدي وأعمامي يقولون أن الريف أجمل وأبهى في فصل الربيع لكني أعتقد أن الشتاء أروع ما يكون في الريف ... ألبس القشابية المصنوعة من الوبر، وأحمل العصا وأرعى أغنام عمي... خراف، نعجات وماعز... لما أكون داخل القشابية وسط البرد والمطر الخفيف مضطجعا على صخرة كبيرة أو مرتكزا على شجرة صفصاف عملاقة أشعر بالسعادة وفي بعض الأحيان أردد هامساً بعض الأغاني التي حفظتها في صغري من الرعاة.. لما كنت أترنم بها أحس بالدفء .. دف ء مميز يختلف عن الدفء الذي تصنعه المدفأة.. أما لما تتساقط الثلوج فالمتعة تصنعها البندقية والثعالب والأرانب البرية.. أعمامي الثلاثة اختاروا الريف وانحازوا إلى مسقط رأسهم ولم تغريهم المدينة مثل أبي...
الشتاء في الريف رائع.. رائع جدا، لا يتكرر في مكان آخر ولا تشبع العين منه أبدا. أنا أحب الريف رغم أني وُلدت وترعرعت في المدينة..