إلى الأعلى، إلى ياس الجبل، أريد أن ألهو وألعب بفضيلة أسماءك المختارة، لا بتلك العوالم التي أرعبت أناي. أما الفضيلة الأرضية فهي مصونة وللجميع، نتقاسم اسمها، تعاليمها مع أحبتنا، لا تخجلي أيتها الريح. إني احتمي بصقيع وحدتي، وإني عائد لا محالة إلى تلك البلدة، البلدة الخراب، جوع الأحشاء الشهوات، بقرة الأحزان. دعني الآن اعد خطاب الغد، الذي سألقيه على العامة، سواء كانوا غضوبين أو متفهمين، سأتقاسم معهم ملائكة الوحشة،.. أيها الناس يا إخوتي النيام، لقد حلّ الشتاء بدمنتنا، أهدافكم تلجلج واضحة. لديكم كلاب متوحشة، قطعان ماعز، هل أعلمكم شرب حليب الماعز. لا، علمني عبادة الفضيلة، والأخلاق النيرة.
أتريد خمرا، بل أريد حليبا وعسلا، إنهما بلسمي اللذيذ، فأنا لا أنتقم للمتعطشين للدماء وخمرة الأعناب، كانت أهدافي شريرة تجاهك، لكني أتجاهلها أبدلها بدعوة للفضيلة والأخلاق النيرة، ما هاته الجموع المحتشدة قرب قبوك.. ماذا تريد، وما هذه الضفادع الصاعدة إلى نجوم السماء.
انه موسم الحج، الضفادع والعصافير كلها تحجّ إلى وجهتها المفضلة، حتى الكلاب المتشردة والشرسة جدا تحرس شناعة الشكيمة. اسكب سكرة الروح مع القنا. ألهب نار الوجد أحشاء الضبع، ثم أنام مرتاح الأعصاب. يا أخي أما رأيت شناعة المكان والأسماء. أما رأيت تلهفنا إلى الخبز اليابس إلى الماء العكر.
يا أخي سأمضي خفيفا على الجسر الخشبي. إلى حدائق الترف والدهشة. ادخل مصائر التجاوز تجاوز الأنا واللذة.. سأهديك غزالة في العام الآتي. وأحرق صوف الحتف السام. سقطت في بئر الغواية، تكسر كأس القذارة. تقلّصت المسافة بيني وبين الدود المقاتل. إنهم يريدون عيناي كي يبصروا بهماو انأ ابحث عن غاية منشودة في الغابة الآمنة، أيها الرجل بعباءته الحمراء يا من يثلب، طين المشاهد تعالى، تقدم نحوي تقدم، ضع أوزارك واسترح، لن تنتهي الرحلة إلا إذا تخلصت من عادة الاحتقار.
احتقار الرياح، ازدراء القرابين، إن الشمس قرص الجميع، تحرق جلود الكذابين، أما أنت فتحرّر أكثر تحرّر من صراصير الضمير الهش.
لن أبرر وجودك في الحياة، لكني سأسك الماء على عباءتك الحمراء ما تبقى من سؤر الفضيلة، نتقاسم غذاء العذاب وننزوي في عجالة الغد، استرح قليلا فأمامك يوم كامل للعناء والحديث عن ثغاء خرافك ونباح كلاب الجيران المزعج، تعالى معي إلى ظل تلك الشجرة نشرب ماء النهايات ـ حليب وعسل - انزع عباءة الأحلام، ودع الخطيئة الساكنة مفاصل اللحظات الجانية ودع الشفقة على النرجس والنسرين تفعل فعلتها، فأنا مثلك متيم شاحب يلهث وراء الخلاص.
هكذا أبرر وجودي في الحياة، حياة تلك الفتيات الخجولات، إنهن ذهب الذنب يطعمن الطير من أناملهن.
وكلما ذهبن إلى جب القرية زرافات تهيأ لهن ذلك الضبع الخبيث في صورة فارس مغوار. كان يصغي إلى الريح العازفة في يأس العقول، يستأنس بحشرجات الثلج النازف.. بائس هو الجنون، يأتي هكذا ويذهب هكذا لا صديق لا رفيق، إلا أنت أيها العمق الغائر في زوادة الأنين تتبع ظلّ العاشقين، تأخذ ضريبة الوفاء. بائس لأنه يسرق من دماء الصبي، لذة التشهي. يبحث عن غنائم في شبابيك الوقت
عن مدن التهافت إلى مدن الدماء يقترف مع ظلام الشتاء خلخلة الإرادة، إرادة الذات الكامنة في فلذة الفصول. يشك في الشر، يقطع المسافات المريبة، إلى صحراء تلبدها أفاعي الماضي، إنه الوفاء، الوفاء للحقيقة الضاربة، في أنفاس الغلق، ثم الجنون الشاحب، يردّد أنات الألم، سبق الأشياء المتهافتة على الانتحار، ولكم ما تريدون من معاناة الماء، راحة الأجداد قرب مغسل الاقتراف، ضعضعة الإمراض والآفات.. لكم الكثير من الخبز، لكم السحر يغطي غابات المعنى، يزود ليلكم بتشابك الأجساد المحمومة قرب مرافئ اللطف، ...أعلمكم فروسية البوادي، سماع الأناشيد، تهاليل الأشهر المتجمدة، انأ مثلكم باحث جوال، أميل إلى الإنصاف العدل والغرور، لكنني ألهو في صرم الأماكن.
ابني عليها ممالكا للعشق، مقابرا للأرض الذاوية، مثلكم أتنفس صبوات التصوف، ترانيم الفجر السابح في ضوضاء الصمت.. مثلكم، اعبد بكاء الفضيلة في ليالي الشتاء الطويلة.. هكذا إن شئتم سأكتب لكم لوصايا، المناشير مذهبي في الحياة، إنكم من دم واحد، لستم غرباء، إلا على ذلك الضبع، الساكن أحشاء الظلام وكهوف النشوة، إخوة تتلذذون مقامات العشق، نايات السباحة في حسن الأشياء، لابد لكم من شجاعة الليوث، خفة المارد، عمالقة أنتم تسبقون القمر في تهجيه للأنفس الشقية، تجمعون حطب الكتابة على أقاليم الدهر ودهاليز الوشك، تضيعون في صلاة الهياكل، تمضون إلى نهاية الأنفاق.. تشربون كؤوس الراح تقطفون الحكمة اليانعة في شساعة العقول، ثم تعودون إلى بيوتكم غانمين.
الخطر قريب، والماء يسير، وهذه الجحافل المترافقة المتقدمة صوب الهلاك، ليس لها حل سوى إتباعي إلى قمة، الظل المسترسل في عنفوان الفكرة، لذا ارجموا الصواعق المتراكمة أمامكم، ليعود الكلام الغض. اسكنوا أقبية الفضيلة، ففيها ملائكة تحرس الأطفال، النساء والعجائز، أما القامات السامقة المتطاولة دعوها في براثن الشواهق، ستنزل يوما... ولي فراشات الحقيقة تراقص أنغام الذكرى
لي حطام الحب المرتعش أمام مرايا الأميرات، لي شجاعة الضحك في حضرة نبي، هناك في رأس الجبل ينام قطر الندى، هناك قرب جرن العقل، يلتف الواقع بود الحياة ببراعم الردحة.. هناك حيث ينام شجر الزعرور على حنق الطير.. تلهو أرواح صغيرة في ضمائر السجن المتشظي.. لن تموتوا من ضحك خفيف في صينية الأنفس البهية، بل ستعرفون لطافة الأبنوس، متعة الرقص مع بدائية الأشكال
هناك الأرواح الهادئة، ثقل الأخشاب المصلوبة على صبار النفس، هناك ينتظركم يوم جميل مليء بالعصف والهبوب، يا إخوتي العابرون لجسر الكناية، لا تسرعوا في مشيتكم ولا في أحلامكم. إن شجرة الحكمة ذات الظل الوارف تتسع لكم جميعا، إنها تنتصب وسط غابة الزان الأحمر، امضوا إلى شساعة النار.. لهفة الدفء واللقاء.. امضوا إلى سماحة العشب، عتمة الأعماق والآن سأعود إلى كهفي، إلى مثوى الظنون أعيد ترتيب التواشيح، اكنس غابتي من الرذيلة.. أصلي لأغوار الحقائق الخالدة والأنفس الزكية.