قصة:

عمي يوسف

عبد القادر رالة

   كان عمي يوسف طويل القامة، رقيق البنية، سريع الخطوات، حتى أن مشيته دائماً تثير ضحك العمال، شعره أشيب بالكامل تقريبا، إذ يقارب الستين من عمره.
  لا يتحدث إلا مفاخراً عن حياته في باريس في نهاية الثمانينات وجزء من بداية التسعينات، ولا يحكي إلا عن الويسكي والفتيات الجميلات، وإذ أغضبه أحدنا صرّخ فينا: ــ أيها البؤساء! ما صرفته أنا على الويسكي والزانيات يساوي أجرتكم مئات المرات لذلك كان زميلنا رشيد ينعته بعمي يوسف الشيب والعيب.
في الحقيقة كنا نتأسف لحاله، إذ كيف يبرّر حالته بتلك الطريقة، الافتخار بالتبذّير، وحالته كنت أراها عادية جداًّ، فهو عامل معنا في الشونتتيه  والانتقال من حال إلى حال هو تقدير من الله.. وإن كان الإنسان يتحمل بعض المسؤولية، فكان بإمكانه ادخار بعض الفرنكات الفرنسية ويبدأ مشروعاً وكان بإمكانه تعلم حرفة في فرنسا وما أكثر المعاهد والمدارس المتخصصة هناك! وكان بإمكانه أن يصمت ولا يتفاخر أمامنا بتبذير نقوده وتضييع شبابه ..الإنسان السوي يفتخر بالانجازات.
 وحتى وإن كان ليس من السهل عليه أن يفتح  قلبه للآخرين،فإننا كنا نحبه  ,نتعاطف معه، ونشفق عليه، وكثير هي المرات التي تحجرت الدموع في أعين بعضنا  فقد كان يثيرنا كلامه الصفيّ والمحزن عن أخاه الأكبر بوبكر الذّي توفي فيما بعد بالسرطان. وأمه أيضا توفت بنفس المرض، وحضرنا جميعنا جنازتها، حتى أننا قررنا إضراباً جماعياً لما رفض المدير أن يسمح لنا بالخروج لأن الأشغال متباطئة لكننا وضعنا أصابعنا في أذاننا وتوجهنا إلى الحي الذي يسكن فيه عمي يوسف...
 وابنه الأوسط توفي في حادث سيارة وزوجته لا تزال حتى اليوم طريحة الفراش بسبب المرض الخبيث الذي أعلن حرباً على عائلته ورغم ذلك فانه لم يستسلم. دائم المزاح مع العمال وإذا نغص عليه أحدنا يصرخ بكلمته المشهورة : ـ الحمد لله .. عشت في فرنسا.. واحتسيت الويسكي وعاشرت نساء لن تحلموا بهن أبدا.. ولو في الأحلام..
 ثم ينظر إلى محاولا أن يكون كلامه جدياً:  ـ لكن أحداث الحياة نادرا ما تسير على الشكل الذي يتمناه المرء..

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024