قصة

طاحونة الجوع

مراد العمري

...يدفع بهم الجوع للتنقل إلى أماكن أخرى لعلهم يجدون ما يأكلون من الطعام.
 وقد قضى الشقاء والفقر على حياتهم التي صارت أشبه بجحيم لا ينتهي وسط حياة كانت جميلة وتحولت بعد ذلك إلى شقاء أبدي...
بعد أن تشردت هي وطفلها الوحيد وعانت في حياتها بسبب العمل الشاق والمستمر كانت تسير وهي تحمل طفلها الصغير وقد قطعت الكيلومترات كي تصل إلى منزل السيد حيث تعمل كانت تخرج من خيمتها منذ غروب الشمس وتصل إلى منزل السيد مع شروق شمس الصباح، وتبدأ العمل بالطاحونة وأكياس القمح موضوعة فوق بعضها البعض.
تمسك بيد الطاحونة ثم تضع القليل من القمح وسطها وتبدأ بالدوران وهكذا يبدأ العمل  وكم يكون عدد الدورات في اليوم يا ترى.......؟
كان يوما صعبا بالنسبة لها بسبب مسافة الطريق والعمل بالطاحونة الذي لا ينتهي أبدا
وعند الانتهاء من العمل يعطيها السيد القليل من القمح والطعام كي تطعم طفلها الصغير وتعود أدراجها من حيث أتت إلى خيمتها، التي تعيش فيها رفقة طفلها الوحيد.  وتوالت الأيام ومرت أشهر، وقد تعبت تعبا شديدا وهي ذاهبة وكعادتها إلى منزل السيد كي تطحن القمح وكان طفلها فوق ظهرها مشدود بإحكام وسارت والتعب قد أنهكها، كانت قدميها الحافيتين تسيل بالدماء متورمتين، من شدة الجروح التي يسببها الحصى المنتشر على طول الطريق وفي كل مكان والمسافة لا تزال بعيدة.
حرارة الشمس كانت أرحم من قسوة قلوب البشر. لم تستطع الصمود كثيرا لأنها ضعفت من طول الطريق وشدة المرض ثم توقفت قليلا،  نظرت إلى السماء، نظرة أخيرة وتهاوت مباشرة على الأرض، اجتمع من حولها النسوة، كانت قد أغمضت عينيها للأبد، لقد فارقت الحياة .. لقد ماتت المرأة المسكينة التي ناضلت من أجل قطعة الرغيف، وتركت طفلها يبكي بكاء  أبديا.. من سيعتني به في هذا العالم الجاحد الذي لا يرحم فيه الضعفاء ؟ لقد ماتت المسكينة وهي لم تسعد لحظة في حياتها.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024