ذهبت إلى داركم ووجدت فيه كل شيء يجهلني. قالوا لي: من أنتِ؟ من تكونين؟
- أحقا لم تعقلي وجهي؟ - أنا من سكن الديار - أنا من صال وجال هنا، هنا،... وهناك أيضا.
- أنا من تعَالى صوتي ضحِكًا، وملأ المكان حساً وضجيجا، و...، وكذا بكاءَ.
- ألم تتعرف على تراسيم وجهي؟ - لا، لا... لا ألومك، هذا الزمَانُ غيّرها.
لكن صَوتي، هَمسِي، أليس مألوفًا لديك يا جدران بيتنَا؟ سأساعدك علكِ تَتَذكَرينني. في صغري كُنْت تلك الطفلة المُشاغِبة التي خربشت، ولونت جدرانَكِ. أَضعُ ثقل رأسي لأتوسَّدك، أتَّخذُ إحدى زواياك ملجأ عندما أتلقى عقابا ربما على شغب من أمي. - الأهلُ رحلُوا يا جدران... قُلت لنفسي، بل أَوهَمتُها أن لي رائحة في هذه الديَار، رائحة أشتمها فيكم يا جدران. أنتم من تبقى فلا تتنكرون لي. لي إخوة كلُهم منشغلُونَ بأمورهم، وأفراد عائلتهم الجديدة الصغيرة. يمر طيف الأحباب من حولي، يضمني. أُريد أن أشْتمَهُم، أَضمُّهم، أُخبرهم قد تفرق العِياَل.
- أريد أن أشكوهم بأن الجدران أيضا قد خانت. لا تعرفني، حتى أنَّها لا تأويني مثل قبل لما كنتم بيننا. هي أيضا خائنة كغيرها. وحتى لا أقول عنها خائنة رددت على مسمعي قولا كان يقشعر بدني عند قراءته، وهاهو اليوم يقال لي: يا طَــــارِقَ البَابِ رِفْقًا حينَ تَطرقُه** فَإنَّه لمْ يَعد في الدَّار أصْحـَــابُ
تَفَرقُوا في دُرُوب الأرضِ وانتثَرُوا** كَــأنَّه لَمْ يكــُن أُنْسٌ وأَحبَــــابٌ
اِرْحَم يَدَيْكَ فَمَا فِي الــــدَّار منْ أَحَدٍ**لا تَرجُ رَدًا فأهْلُ الودِّ قد رَحلُوا
ولْترحَم الدَّارَ.. لا تُــوقِظْ مَواجِعهـَـا**للــدُور رُوحٌ كَما للنَّاس أرواحٌ. .