مخادعة

عمروش شيماء

يجلسان متقابلين على طاولة مستديرة يتجاذبان أطراف الحديث، وسط غرفة كانت مكمن أسرار الاثنين، اليوم دلف المساء كان حديثهما مختلفا عما ألفاه من قبل، يسأل الشاب خاله الطبيب:
-أيا خال هل تؤمن بالحب ؟
-آمنت به ف كل شيء، آمنت أن اجتماع الحاء مع الباء مقدرة ربانية تحيل المستحيل ممكنا والممنوع مرغوبا، آمنت أن حبل الوصال يبقى مشدودا مهما طال الزمن، في الحاء حياة، في الحاء حنين، أما في الباء بقاء، بسمة ترسم على شفاه العاشقين، فتمسح دموع المظلومين، آمنت به في كل شيء  إلا في شيء واحد قد خاب ظني فيه .
-ما هو؟
-وطني.
بقي الشاب مشدوها، إذ كان وقع هذه الكلمة ثقيلا في نفسه كأنها رصاصة طائشة فرت من زناد خرب، متسائلا عن سبب هذا الإلحاد.
-في وطني ما آمنت به، الحب في وطني استحالة، في وطني إذا اجتمعت الحاء مع الباء  إلا وفرّت إحداهما هاربة من الأخرى، في وطني إذا اجتمعت الحاء مع الباء تلطخت الأرض بحزن الثكالى،وحاد الميزان  مع كفة أخرى ما ألفناها، وتغلغل الرصاص من فوهة بنادق الحاقدين في قلوب الأبرياء فتموت تلك الكلمة وتموت معها الأحلام  .
-هل تؤمن بحرية الاختيار ؟
- لمّا آمنت بها اُغتصبت رجولتي، تنحّيت من منصبي وبقيت أتابع اللعبة بصمت، هنا أنت لست حرا في اختيارك،لا في المعتقد، ولا في الفكر، ولا ف الرأي، هناك شيء واحد إما أن تأخذ وإما أن تؤخذ،فلا قابلية للترك هنا، لا كما تريد أنت، بل كما يريدون هم .
يدخن الطرف الآخر سيجارة متابعا دخانها وهوتصاعد تدريجيا متلاشيا كحلم بدده الزمن، منصتا لما يحاك من حديث .
-    أوَ تؤمن بأيادي الغدر والنفاق هنا ؟
^ آمنت بها قبْلا  ولكن ليست هنا، تلك الذئاب الآدمية تنهش لحمك كما تُنهش الفريسة،تموت في غياهب الضياع، وتنزوي في عالم الوحدة،تُضرب، تُصفع، تُعذّب وتموت حسرة ...حسرة على ماضيك الذي شيدت عليه جسورا كنت تظن أنها محط عبور ليأتي من هناك شبح يهدم ما بنته يداك ... لكن ليست هنا .
-أوَ تؤمن بالإرهاب هنا ؟
-لا كيف ذلك، لا أظن وجوده.
-أتجحد وجوده بيننا
-كل شيء مغلق بإحكام ولا سبيل للولوج إلى هنا .
من هناك يُدخل يده في جيبه، يُشهر مسدسه في وجهه، خفضه تدريجيا إلى صدره ... لم أكن أعلم أنك ملحد لهذا الحد ... كنت أظن أن كل شيء يموت في قلبك، في روحك،  في عمقك إلا هذا، سأشهرك في وجه الزمن، في وجه الوطن، دعهم يقولون كان من شهداء الواجب، وهل سيكون دواؤك يُستطب  به داؤك .
-    أ هذه قيمة وفائك، ما كنت ضانا بك هكذا، أوتفعلها، افعلها كل شيء في قلبي قُتل، ما عدا روحي خذها الآن، هي هدية مني إليك، ولتكتب على شاهد قبر،، ملحد،، ولكن ما آمنت إلا بربي .   

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024