الشيخ بوعمامة هو شخصية تاريخية، صوفية جزائرية وقائد أكبر وأطول مقاومة شعبية في الجزائر ضد المستعمر الفرنسي بالجنوب الغربي للبلاد، والتي استمرت مدة 27 سنة من 1881، تقوى أحيانا وتفتر أخرى إلى غاية 1904.
ينتمي إلى أولاد سيدي الشيخ، والتي يرجع نسبها إلى الصحابي الجليل أبي بكر الصديق رضي الله عنه، هو محمد بن العربي بن الشيخ بن الحرمة بن إبراهيم والملقّب بالشيخ بوعمامة، من سلالة الولي الصالح سيدي عبد القادر بن محمد المدعو سيدي الشيخ عن جده سي التاج، ولد بقصر الحمام الفوقاني في منطقة فقيق (منطقة تابعة اليوم للمغرب) ما بين 1838
و1840. وفي هذه الفترة الصعبة من تاريخ الجزائر أجبرت عائلته على الهجرة ومغادرة الأرض والاستقرار في الأراضي المغربية، فمن المعلوم أن معاهدة لالة مغنية الموقّعة بين فرنسا والمغرب في 18 مارس 1845 م، قسّمت قبيلة أولاد سيدي الشيخ إلى فرقتين: أولاد سيدي الشيخ «الشراقة» أو الشرقيين وأصبحوا بموجب الاتفاقية جزائريين، وأولاد سيدي الشيخ «الغرابة» أو الغربيين وأصبحوا بموجب نفس المعاهدة مغاربة.
ترعرع وتربّى على يد مقدم سيدي الشيخ سيدي محمد بن عبد الرحمان أين مكث وقرأ وحفظ القرآن الكريم صغيرا، وتعلّم العلوم الشرعية في الزوايا على يد مجموعة من الشيوخ، نخص بالذكر منهم والده الفقيه العربي بن الشيخ بن الحرمة، أما تربيته الصوفية فقد تلقاها عن مقدم زاوية سيدي الشيخ سيدي محمد بن عبد الرحمان، وهو الذي أشار عليه بالذهاب إلى مغرار التحتاني جنوب ولاية النعامة حالياً، وتنقل كثيرا لطلب العلم و المعرفة، كان أبوه العربي بن الشيخ بن الحرمة يزاول مهنة بيع البرانيس والحلي ما بين منطقة فكيك بالمغرب ومغرار التحتاني بالجزائر، وقد وافته المنية في هذه المنطقة عام 1879.
وفي سنة 1875 م استطاع الشيخ بوعمامة تأسيس زاوية جديدة خاصة به في منطقة مغرار التحتاني جنوب مدينة العين الصفراء ممّا زاد في شعبيته وأكثر أتباعه ومريديه في العديد من المناطق الصحراوية، حيث كان يقيم فيها المحاضرات الدينية والاجتماعات، وجلب لها الكثير من قادة القبائل التي كانت تقطن في المنطقة الحدودية مع المغرب الأقصى، وكذلك سكان وادي الساورة فكان إشعاعا للعلم والمعرفة.
الشيخ بوعمامة كان عالما جليلا في الدين الإسلامي الحنيف، كما كان سياسيا محنكا، دخل التاريخ من بابه الواسع، واشتهر حتى بلغت شهرته الأصقاع والآفاق، مشرقا ومغربا؛ لأنه أشرف على انتفاضة كادت أن تعم الغرب الجزائري بأكمله. يحسب له أنه لم يوافق على معاهدة بريزينة التي أبرمها سي الدين بن حمزة الأخ الأصغر لثوار أولاد سيدي الشيخ مع الفرنسيين سنة 1880 م، فلمّ نفسه ونفيسه ونادى للجهاد مجددا في سبيل الله امتدادا لثورة أجداده المقدسة، وانطوت تحت لوائه الكثير من القبائل والأنصار. فواصل الجهاد في كامل أرجاء الجنوب الغربي وخاصة بتوات (أدرار) وقورارة وتديكلت، والشاهد على ذلك المقام الذي كان يأوي الشيخ في ناحية قورارة وبالتدقيق بدلدول. دامت مقاومة الشيخ بوعمامة أكثر من ثلاثة وعشرين عاما حتى أطلق عليه لقب الأمير عبد القادر الثاني.
انطلاق مقاومة الشيخ بوعمامة سبقتها عدة ظروف ساهمت في انطلاقها، فمنذ مقاومة أولاد سيدي الشيخ ضد الاحتلال الفرنسي بالمنطقة، أصبحت المنطقة التي تقع جنوب القطاع الوهراني تتمتّع ببعض الاستقلالية النسبية في إدارة شؤونها الداخلية، وضعفت تغطية المستعمر على هذه الناحية، وحتى الجيش الفرنسي المحتل كان له مركز وحيد بالأبيض سيدي الشيخ، ولكن هذه المقاومة الشعبية كانت السبب في فرقة عائلة أولاد سيدي الشيخ، واضطر بعض أفرادها العيش بالمنفى في المغرب، في حين لجأ آخرون إلى أقصى الجنوب الجزائري. كما أن الهدنة التي كان يتبعها سكان المنطقة بعد مقاومتهم للمستعمر سنة 1864 لم تدم طويلا، فبدأ ظهور أولاد سيدي الشيخ الشراقة على الساحة بعد نضال سي معمر بن الشيخ الطيب (رئيس فرع الغرابة)، ضد العدو في المنطقة آنذاك منذ شهر أفريل 1875، لكن مقاومة هذا الأخير لم تدم طويلا واضطر للانسحاب، حيث فرضت عليه الإقامة الجبرية بعد ذلك، لكن سرعان ما انتهت فترة (1878 - 1880)، فظهر شخص آخر من الشراقة وهو الشيخ بوعمامة معلنا الكفاح ضد الاستعمار الفرنسي بمنطقة الجنوب الغربي للجزائر. ويكفي القول بأن رفض الشعب الجزائري للاحتلال الفرنسي يعد من أهم العوامل التي دفعت بالشيخ بوعمامة إلى الإعداد والتنظيم للعمل الثوري ضد العدو بالجنوب الوهراني. ومما لاشك فيه أن هناك جملة من الأسباب ساهمت بشكل كبير في التعجيل بإشعال الثورة ومن أهمها: السبب المباشر: يعتبر مقتل الضابط الفرنسي واين برونر وهو برتبة ملازم أول، وكان يشغل رئيس المكتب العربي لمنطقة البيض، وذلك في 22 أفريل 1881، مع أربعة من حراسه من فرسان الصبايحية عندما حاول جاهدا إيقاف نشاط الشيخ بوعمامة.
والأسباب غير المباشرة: هي تأثّر الشيخ بوعمامة بفكرة الجهاد ضد الغزاة المحتلين، إلى جانب الأفكار الإصلاحية التي وصلت إلى المناطق المجاورة، وأثرت تأثيرا مباشرا على الشيخ، يضاف إلى هذا كله دور دعاة الطريقة السنوسية في إثارة سكان المناطق الصحراوية ضد تغلغل الاستعمار ومواجهته، وقد كان لهذا الدور مفعوله على نفسية الشيخ بوعمامة، وهي عوامل كافية ليقوم بحركته الجهادية ضد الاستعمار الفرنسي في منطقته. كما أدّى تردّي الأوضاع الاقتصادية في منطقة الجنوب الوهراني إلى تفجير الأوضاع واندلاع الثورة، خاصة بعد انتشار المجاعة التي أهلكت سكان المنطقة، وفقدوا جرّاءها كل ممتلكاتهم، ناهيك عن الغبن الذي تسبّبت فيه السياسة الجائرة للإدارة الاستعماري، ومنها منع بعض القبائل من التنقل ما بين 1879 و1881، خاصة قبائل آفلو والبيض وقبائل جبال القصور الرحالة، وقد تولد عن ذلك نوع من التذمر والاستياء الشديدين، ونجم عنها موت أعداد كبيرة من المواشي، وصلت نسبة الخسائر التي لحقت بمنطقة آفلو وحدها بثلاثمائة رأس أي 80 % منها نسبة 37 % (1879 - 1880)، ونسبة 43 % (1880 - 1881). وكذلك عزم السلطات الفرنسية على إقامة مركز عسكري للمراقبة في قصر تيوت، بعد فشل البعثة الرسمية لدراسة مشروع مد الخط الحديدي عبر الصحراء في الجنوب الغربي لإقليم وهران عام 1879.
تمثّل هذه المقاومة مرحلة هامة من مراحل الكفاح المسلح ضد الاحتلال الفرنسي، وقد مرت بعدة مراحل:
المرحلة الأولى: لم يعلن الشيخ بوعمامة الثورة على الاستعمار الفرنسي بمنطقة الجنوب الوهراني إلا بعد أن هيّأ جميع القبائل الصحراوية عن طريق مريدي الطريقة الشيخية المنتشرين عبر كل المنطقة، ومنها قبائل الطرافي والرزاينية والأحرار وفرندة وتيارت، وقد وجدت هذه الدعوة صداها لدى قبائل العمور وحميان ودوي منيع والشعانبة، حيث استطاع الشيخ بوعمامة في وقت قصير أن يجمع حوالي ألفين وثلاثمائة جندي بين فرسان ومشاة. وكانت أول مواجهة عسكرية بين الشيخ بوعمامة والقوات الفرنسية وقعت في 27 أفريل 1881 بالمكان المسمى صفيصيفة غرب عين الصفراء، أسفرت هذه المعركة عن انهزام الجيش الفرنسي واستشهاد بعض رجال الشيخ بوعمامة منهم قائد المعاليف قائد الرزاينة. وأمام خطورة الوضع سارعت السلطات الاستعمارية إلى إرسال قوات إضافية إلى المنطقة لقمع الثورة والقضاء عليها، وتمثل المدد الذي وصل إلى المنطقة فيما يلي: فرقتان يقودهما القائد قدور ولد عدة، فرقة تيارت يقودها الحاج قدور الصحراوي، قافلة من ألفين وخمسمائة جمل ومعها ستمائة جزائري، قائد الشعبة العسكرية لمعسكر الجنرال كولينو دانسي هو الذي تولى القيادة العامة لهذه القوة العسكرية.
أما ثاني مواجهة عسكرية بين الطرفين الجزائري والفرنسي كانت في 19 ماي 1881 بالمكان المسمى المويلك، وتقع قرب قصر الشلالة بجبال القصور، وكان النصر فيها حليف الشيخ بوعمامة بالرغم من تفوق العدو في العتاد والعدة. وحسب تقارير الفرنسيين أنفسهم. فإن هذه المعركة خلفت خسائر لكلا الطرفين، وقد قدرت خسائر الفرنسيين فيها ستين قتيلا واثنان وعشرين جريحا.
بعد هذه المعركة ظل الشيخ بوعمامة سيد الموقف، حيث توجه إلى الأبيض سيدي الشيخ مما ساعد الثوار في هذه الفترة على قطع خطوط التلغراف الرابط بين فرندة والبيض، ومهاجمة مراكز الشركة الفرنسية الجزائرية للحلفاء، وقد قتل العديد من عمالها الإسبان مما دفع بالسلطات الفرنسية إلى اتخاذ إجراءات لحماية مصالحها منها تجميع أربعة طوابير قوية في النقاط التالية: فرقة راس الماء أسندت مهمتها إلى العقيد جانين، فرقة بالخيثر بقيادة العقيد زويني، فرقة تيارت وأسندت مهمتها إلى العقيد برونوسيار، فرقة البيض وكانت بقيادة العقيد تاديو ثم العقيد نيغريي. ولمواجهة انتصارات الشيخ بوعمامة المتتالية، قامت السلطات الفرنسية بتحرّكات سريعة تمثلت في إرسال قواتها نحو الجنوب الغربي من أجل تطويق الثورة والقضاء عليها، وبالتالي تتوسّع في المنطقة وتبسط نفوذها على كل قصور الجنوب الوهراني.
كما تمّ تكليف العقيد أوسكار دو نيغريي Oscar de Négrier بمهمّة الانتقام من القبائل التي شاركت مع الشيخ بوعمامة في الثورة، وكانت البداية في 15 أوت 1881 بنسف ضريح سيدي الشيخ المتواجدة بالأبيض سيدي الشيخ ونبش قبره، تلتها المجازر الرهيبة في حق السكان العزل من أهالي الطرافي واربوات بمنطقة البيض، ونفس الجرائم ارتكبت ضد سكان الشلالة الظهرانية خاصة قبيلة الكرارمة، وبين سبتمبر وأكتوبر من عام 1881، تعرّضت القوات الفرنسية بقيادة كل من الجنرال كولونيو والجنرال لويس إلى هجومات المجاهدين قرب العين الصفراء، قام على إثرها الجنرال لويس بتحطيم القصرين اللذين كان يمتلكهما الشيخ بوعمامة وهما قصر مغرار الفوقاني وقصر مغرار التحتاني، كما دمّرت زاوية الشيخ بوعمامة أيضا.
ومن التطورات الهامة التي حصلت خلال هذه الفترة كذلك هو التحاق الشيخ سي سليمان بن حمزة، زعيم أولاد سيدي الشيخ الغرابة بثورة بوعمامة على رأس ثلاثمائة فارس، واتجه مع قوته إلى شمال غرب العين الصفراء ومنها إلى منطقة البكاكرة للضغط على القبائل الموالية للاستعمار الفرنسي، وأمام تزايد القوات الاستعمارية وتوافد الدعم لها من كل منطقة، ازداد الضغط على الشيخ بوعمامة فاضطر إلى الانسحاب متجها إلى منطقة فكيك بالمغرب الأقصى، حيث قلّ نشاطه وتفرق أتباعه وأنصاره. وفي 16 أفريل 1882 لاحقت قوات الاحتلال الشيخ بوعمامة في الأراضي المغربية، لكنه رد عليها بهجوم عنيف في شط تيغري كبّد العدو خسائر فادحة في الأرواح وأجبره على الانسحاب، وكان لهذه الهزيمة وقع كبير في الأوساط العسكرية الفرنسية، وزادت من جهة أخرى الثورة صمودا وتحديا، وأثبتت تفوقها مرة أخرى على القوات الفرنسية.
المرحلة الثانية: عرفت فيها مقاومة الشيخ بوعمامة فتورا ملحوظا بعد استقرار الشيخ في مسقط رأسه الحمام الفوقاني بفكيك التي وصلها في جويلية 1883، حتى يتمكن من تنظيم صفوفه للمستقبل، وهذا ما جعل السلطات الاستعمارية تتخوف من تحركاته الكثيفة، لذا سارعت في إرسال برقية موقعة من طرف الجنرال سوسيي قائد الفيلق التاسع عشر إلى حكومته في باريس يدعوها إلى الضغط على السلطان المغربي لطرد الشيخ بوعمامة من الأراضي المغربية لأنه يشكل خطرا على المصالح الفرنسية. هذا التحرك دفع بالشيخ بوعمامة إلى مغادرة المنطقة، واللجوء إلى إقليم توات واحتمى بسكان واحة دلدول مع نهاية عام 1883، واستقر هناك إلى غاية عام 1894 حيث أسّس زاوية له وشرع في تنظيم الدروس الدينية لمواصلة الجهاد، ووقف زحف التوسع الاستعماري في الجنوب الغربي، حيث قام بمراسلة مختلف شيوخ القبائل الصحراوي والإعلان الجهاد ضد الفرنسيين ومقاومتهم، كما كان لهذا النشاط صدى واسع بين القبائل الصحراوية، خاصة قبائل الطوارق الذين اقترحوا عليه الانتقال إليهم ليتعاونوا في الجهاد ضد العدو الفرنسي، فحاول الاستعمار الفرنسي خنق الثورة من كل الجهات، وبكل الوسائل والتوسع في الجنوب في إقليم توات وتيديكلت.
المرحلة الثالثة: تعتبر بداية النهاية حيث في خضم هذه الأحداث، استطاع الشيخ بوعمامة أن يكسب العديد من الأنصار ويحظى بثقة سكان المناطق الصحراوية، ما جعل السلطات الاستعمارية تفكر في استمالته بكل الوسائل، فقامت بالاتصال عن طريق المفوضية الفرنسية بمدينة طنجة المغربية عام 1892 للتفاوض حول قضية الأمان التي انتهت بدون نتيجة، كما أن صلة الصداقة التي كانت بين الشيخ بوعمامة والسلطات المغربية أثارت قلق وتخوف السلطات الاستعمارية الفرنسية، خاصة بعد الاعتراف به زعيما لقبائل أولاد سيدي الشيخ ومشرفا على كل المناطق الصحراوية، لذلك قرّر الوالي العام لافريار في 16 أكتوبر 1899 منح الشيخ بوعمامة الأمان التام دون قيد أو شرط، ومع مطلع القرن العشرين دخل الشيخ بوعمامة المغرب الأقصى واستقر في منطقة وجدة، ولهذا تعتبر سنوات الجهاد التي خاضها الشيخ بوعمامة قد عرقلت بشكل كبير توسع الاستعماري في أقصى الصحراء، خاصة الناحية الغربية منها بالرغم من الحصار الكبير الذي حاولت السلطات الاستعمارية فرضه بقيادة الجنرال ليوتي.
وتعد ثورة الشيخ بوعمامة من أعنف المقاومات الشعبية خلال القرن التاسع عشر بعد مقاومة الأمير عبد القادر، حيث كشفت ضعف الفرنسيين في مواجهة المقاومة ممّا جعلها تبحث عن الحلول السياسية لإخماد نار الثورة خصوصا مع المرحلة الثانية 1883 - 1892 حين ظهرت قضية الأمان الذي كانت تبحث عنه السلطات الفرنسية من بوعمامة الذي رفضه من خلال المراسلات والمفاوضات التي كانت تسعى إليها فرنسا.
إنّ مقاومة الشيخ بوعمامة حتى وإن لم تحقّق أهدافها في طرد الاستعمار من المنطقة، إلاّ أنّها أثبتت قدرتها على المقاومة وطول النفس، وعرقلت التوسع في المنطقة، إلى أن وافته المنية بالمكان المسمى عيون سيدي ملوك في 7 أكتوبر 1908 م.