أكثر من 400 ألف كتاب التهمتها ألسنة النيران
في 7 جوان 1962 على الساعة 12.30 زوالا، امتدت يدّ الإجرام الثقافي لتضع ثلاث قنابل داخل المكتبة الجامعية تحوّلت أقدم مؤسسة ثقافية وعلمية وأفضل «ما أنجزته» الرسالة الحضارية «في لحظات إلى مجرد كومة من الرماد «: هدمت البناية بقاعتها ومخازنها الأربعة بأكملها، وأتلفت عناوين دوريات وسلاسل يفوت عمرها المائة سنة، وكتب من السنوات الأولى للطباعة بالحرف العربي والحرف اللاتيني تعتبر من المعالم المطبعية ومخطوطات عربية وحدّدت الإحصائيات إلى 400 ألف كتاب أكلتها ألسنة النيران وتحطيم البناية بأكملها.
بحسب ما نقلته جريدة فرانس - سوار «ألسنة النار تلتهم المكتبة الجامعية، حيث تحترق 600.000 كتاب» وتشهد جريدة لوفيغاروقائلة: «500.000 كتاب تم حرقها من أرصدة المكتبة الجامعية بالجزائر»، ونفس الخبر نقلته جريدة لوموند قائلة: «قرابة 600.000 مجلد ووثيقة كانت طعما لألهبة النار في المكتبة الجامعية بالجزائر».
وعلى إثر حرق المكتبة الجامعية في 07 جوان 1962، دخلت وحدات من الجيش الفرنسي على المكتبة لحمايتها من اعتداءات المنظمة السرية وفي هذه الأثناء كان العمال الأوروبيون قد غادروا المكتبة.
ومع ذلك لم يستسلم الجيل الأول من مثقفي الاستقلال أمام هذا العمل الإجرامي في حقّ الثقافة والكِتاب فتوحّدوا على قلتهم وقلة إمكانياتهم لإنقاذ المكتبة الجامعية وإعادة إعمارها بالكتب وبالعتاد، ففي 19 ديسمبر 1962 تأسست «اللجنة العالمية لإعادة إعمار المكتبة الجامعية بالجزائر»، والتي تشكل مكتبها من: محمود بوعياد (رئيسا)، نورالدين سكندر (نائبا للرئيس)، جان سيناك (سكرتيرا عاما)، الآنسة جان -ماري فرانس (سكريتيرة مساعدة)، السيدة صلاح باي (مكلفة بالمالية)، سعد الدين بن اشنب (مكلف بالعلاقات الخارجية) ومصطفى حرتراتي (مكلفا بالعلاقات الداخلية).
وتجدر الإشارة، ألى أن المكتبة الوطنية الجزائرية تعتبر أقدم مؤسسة ثقافية بالجزائر، حيث يعود تاريخ نشأتها إلى يوم 13 أكتوبر 1835، بموجب مرسوم من وزارة الحرب آنذاك التي كان على رأسها «جانتي ديبوسي» Genty Debussy. وقد كانت حين صدور أمر تأسيسها لا تحتوي أي رصيد، إلا أن المرسوم مهد لعمليات البحث والجمع التي أسندت مهمتها لأول محافظ للمكتبة « أدريان بيربروجيه» Adrien Berbrugger الذي كان يرافق الحملات العسكرية الاستعمارية إلى كبريات المدن الجزائرية، فجمع ما يقرب من 700 مخطوطة في بادئ الأمر من مدينة قسنطينة والتي كانت النواة الأولى لرصيد المكتبة الوطنية الجزائرية، وأودع هذا الرصيد بمقر المكتبة الأول في بيت سكني بشارع «صولاي» سابقا بباب الواد ثم نقلت سنة 1838 إلى ثكنة عسكرية انكشارية بباب عزون، حيث بقيت هناك إلى سنة 1848. ومع ازدياد رصيد المكتبة ضاق بها هذا المقر أيضا لذا كان من الضروري البحث عن مكان أوسع فوقع الاختيار على قصر مصطفى باشا الواقع بشارع «اميل موباس» سابقا بالقصبة، وكان ذلك في سنة 1863 وإلى غاية 1958.
استمرت رحلة الصمود لرصيد المكتبة الوطنية إلى أن فتح مقرها الجديد بشارع فرانس فانون بتليملي في أعالي العاصمة سنة 1958، ولأول مرة منذ إنشائها تربعت المكتبة على مبنى يليق بها، حيث قدرت مساحتها بـ:4800 م بقاعة مطالعة تتسع لـ: 450 مقعد أما المخازن فكان مجموع طولها يقدر بـ: 17 كلم، تحتوي على 600.000 كتاب، أما السعة الإجمالية للمكتبة فيمكن أن تصل إلى 2 مليون كتاب.