مفاهيم إيمانية للتصحيح
لا تحـــــــزن أيهـــــا الممتحـــــن وكــــــن ذا همـــــــة
تتوقف الحياة وتحبس الأنفاس ويُشل التفكير وتشْرُد النفس تتبع الأحلام، وتضيق الصدور وتزداد ضربات القلب وتكثر الحركة، وتتيه العائلة عند سماع كل خبر، فهي في اضطراب بين خبر يفرح وخبر يحزن، وقد اجتمعت الدموع بمقلتي الوالدين للفرح جاهزين وللبكاء متجهزون، هذه حالة كثير من عائلاتنا، قلوبهم تخفق لكل خطوة يخطوها الابن أو البنت إلى الامتحان وعند الرجوع يستقبل بالترحاب والأحضان، فإن كان من الفائزين فزغاريد واحتفال وإن كان من الراسبين فهم وألم وأحزان.
وللطالب حظ ونصيب في إدخال الفرحة أو الحزن والنحيب، فإن كان من المجدين فثمر يُحصد ونتائج تجنى وحقول تزرع بدخول جامعة أو معهد، وإن كان من الكسالى فأشواك تُجمع ودمع يسكب وحياة شارعية به ترحب، فلكل هؤلاء قول العرب قديما يداك أوكتا وفوك نفخ.
دور الآباء في نجاح الأبناء
النجاح ليس لعبا ولهوا يُجمع، أو سهر ليال طربا وغناء، وأفلاما وأشرطة، ورفقة سيئة تجتمع على لفائف ومشروبات مخدرة، أو نوما طوال السنة، فمن زرع الشوك لن يجني العنب، وهؤلاء دور آبائهم ظاهر وبارز، فهم الذين عملوا على ضياعهم، وهم الذين ساعدوهم على نومهم وإغفاءتهم،وينتظرون منهم النجاح يوم الامتحان وهم على علم بالرسوب والخذلان، فكيف بمن لم يفتح كتابا أو كراسا طوال السنة، أن يسمو بنفسه بين الناس، إلا أن يكون في اختباره غاشا، فغشه للجامعة يُدخله ومنها لن يُخرجه، فتأكل سنواته بعضها بعضا إلى أن يترك الجامعة أو يغير الدرب، وأما الزارع الجاد فلثمره حاصد، فلن توقفه العثرات ولن تنهره الزلات، فذاك قد استوت طريقه وصح دربه، وبانت آماله، وتحققت أحلامه، فشق سبيله إلى السؤدد بطلب المعالي والمعارف، وهو على علم بأن النجاح يتبعه الصعب في سلم الحياة، عدم شغل أو صد بأبواب الإدارات، فقد يتيه بين المؤسسات يطلب اللقمة، ولكن لن تُعجزه الردود والأبواب الموصدة، فهو بجده في الدراسة لن يخور ولن يسقط، فمحاولاته تزداد ودقاته تتكاثر إلى أن يُفتح له باب العيش الرغيد بعمل ينجيه من الشارع إلى الحياة فيفتح له الباب السعيد. ومثل هؤلاء لا تغريهم الحياة ببهرجها وزينتها، ولا تأخذهم الأطماع في طلب رشوة أو تقديم خدمة فيها مضرة، بل علمهم عن السفاسف يرفعهم وعن الدنايا يعلو بهم.
لا تحزن أيها الراسب
وكن ذا همة
هذه صورة للناجحين والراسبين في معترك الحياة، ومنهم من حطّم حياته بانتحار، لأنه رسب في امتحان أو ضيع الآمال، فهذا إما ساذج لا يعرف للحياة مقدارا، أو خائف من الآباء من اللوم والتأنيب والتذكار، فلآبائه دور هام، فاحذروا فليست آخر محطة للقطار، فالامتحان يُكرر والابن أو البنت لن يشتروا بالأموال، فالأخذ على أيدي الراسبين أولى، فالذين أخفقوا يحتاجون منا إلى مواساة وإبصار، ولعلّ النفع للأمة يكون من الراسب أحسن، فكم من طالب ضاقت به الدنيا عند رسوبه، ولكن الخير اجتمع له في الرسوب، فهو تاجر مقدام، أو إطار أو مسؤول فعّال، فالحياة الحقة عند العثرات، فهي التي تُقَوِي العزائم وترفع التحدي وتزيل الآلام وتفتح أبواب الصعاب، فصاحبها يكون مقداما تواقا لبلوغ العُلا، يدفعه شغفه للسؤدد والرقي، فالراسبون المعيدون للسنوات ذوو همة عالية، نبراسهم نملة تدحرج الحبة مرة فمرة إلى أن تعلو بها الربوة، فعلى المجتمع الأخذ بأيديهم ومدهم بالنصح والإرشاد، فليس عيبا في الذي سقط ووقع بل العيب في الذي بقي حيث وقع، فالحياة كفاح ونضال، وللراسبين في هذه الحياة عبرة فيمن قادوا العالم وساسوا البلدان وألفوا الكتب وصنعوا الآلات فليس فيهم حامل لشهادة، بل منهم إلا عصامي تعلم مجتهدا، أو مطرودا من مدرسة، فجَدِّدُوا العزم واتخذوا أصحاب الهمم قدوة ونبراسا، تقوى عزائمكم، فكونوا نبراسا يُحتذى بكم، ومشعلا يضيء الدرب لمن تبعكم، وليعلم طلبتنا أن الباكالوريا ما هي إلا امتحانات ومحطات تُمطى وتُركب لكل محطة وقت فيه نصل.
حقيقة النجـــاح
وأما الناجحون فليست هاته جنة ولجتموها أو مكة دخلتموها إنما هي حياة جديدة بلغتموها، فعلى قدر الهمة تكون الحياة، وعلى قدر الجد نبلغ المجد، ومن سار على الدرب وصل، فإنها مدنية تجمعكم وجامعة تلمكم فيها يُختبر المرء في الحياة، فكثرة الأصحاب فيها تكثر العثرات، وكثرة الخلط تُنسي الطباع وتدفع للتطبع، فهي فيها من التحرر بقدر ما فيها من التفسخ والانحلال، فيها تجتمع الموضة والمعارف، وفيها يتبارز المنحل والمحافظ والمنحرف الزائف، فيها يُقضى على العادات والأخلاق، وفيها تُفك قيود لا تفعل هذا حرام هذا حلال، هذا مباح، فليختر الناجح طريق النجاح حمدا للّه وخوفا من الإله، وطمعا في جنته وعلاه، وليس حديثنا للتخويف أو التهويل فللجامعة مضار وتحاويل، لما جمعته من أناس قراءتهم للحياة وفهمهم للجامعة مبني على اللهو والانحلال، فلرب أب أحب الرسوب لأبنائه على النجاح، ولكن هذه سنة الحياة فيها تضحية ومماة، نجاح ورسوب، امتحان واختبار، وهي مجرد أفكار غُرست فينا فاعتقدنا أن النفع فيها والضر فيها، وكل هذا لعبة على مسرح الحياة. فالامتحان الحق لمن أراد لابنه النجاح هو الجد في الصلاة والمحافظة على الأوقات، فليجزع على ابنه وليبك عليه لعدم محافظته على الوقت فذاك هو الاختبار، وليندم وليحزن على ابنه لعدم صومه أو زكاته، وليعلم أن الامتحان الأكبر يوم يفر المرء من أمه وأبيه وصاحبته وبنيه، فليس له حينها إعادة السنة أو البحث عن واسطة، أو البحث عن معرفة ليسجل مرة أخرى، فهو امتحان واحد الناجح فيه إلى دار القرار جنة وجنان؛ والراسب فيه إلى بئس الدار نار ونيران، فتلك الجامعة الحق من دخلها لن يضيع ولن يتيه؛ وأما جامعاتنا فإن لم تعلمنا الآداب فالرسوب أفضل لمن يخاف على أبنائه العتاب يوم يعرض الكتاب، وإلى الراسبين والفاشلين في هذه الحياة، في امتحان أو عمل أو زواج أو شركة فالتكرار دواء للمتعلم، والإرادة سلاح للفاشل، والإقبال والمثابرة وُقود للطالب، والصبر زاد للمؤمن المتعلم، فإلى كل أبنائنا وبناتنا قول لقمان لابنه وهو يعضه قال تعالى: ﴾يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴿، (لقمان الآية ١٧).
بقلم الأستــاذ: علي علــية
الجزائر العاصمة
شوهد:1314 مرة