يقول عنها المولى عز وجل بأنها ليلة “خير من ألف شهر”؛ لما فيها من بركات وخيرات، لذا يحتفل العالم الإسلامي وكذلك الشعب الجزائري خلال شهر رمضان الكريم بهذه الليلة المباركة، في أجواء أكثر ما يميزها هو ذلك المناخ الروحاني الذي تعطره التلاوات العطرة من بيوت الرحمان وكذلك ممارسة الشعب الجزائري دون استثناء لعادات وتقاليد تعود في الأصل إلى ما يملكه من تعدد وتنوع ثقافيين وكذلك بحكم المناطق والقبائل والعروش التي تمثل نسيجه الاجتماعي، فرغم وجود الاختلاف في الزخم الثقافي من منطقة جزائرية إلى أخرى، إلا أن هذا لم يمنع من وجود صلات وثيقة مع باقي الشعوب العربية والإسلامية.
ليلة ولا كل الليالي
تتميز ليلة القدر أو ليلة السابع والعشرين من رمضان في الجزائر على غرار باقي ليالي الشهر الكريم، بنكهة ورائحة خاصتين؛ لما تحتله من مكانة وأهمية بالغة في قلوب الجزائريين، فهي ليلة، بالدرجة الأولى، للتسابق إلى المساجد من أجل العبادة والاستغفار وكذلك موعد للإكثار من الدعاء، وإلى جانب هذا، فهي موعد لتواصل الأرحام وتلاقي الأسر في مناسبات قلما تتكرر على مائدة الشاي والحلويات والسمر والحديث الحلو الذي تزينه البوقالات، فلا يكاد يخلو بيت جزائري من مظاهر الاحتفال بالليلة المباركة؛ من خلال صنع أجواء كلٌّ حسب إمكاناته، غير أنها تشترك في أنها أجواء مغمورة بالفرحة والبهجة بالليلة التي يهبط فيها الملك بإذن ربه.
مساجد الله تمتلئ بالعباد
ما يُعرف عن الشعب الجزائري قوة إيمانه وحبه الجم لبيوت الرحمان، فلطالما كانت المساجد وطيلة شهور السنة ممتلئة عن آخرها بجموع المصلين، ولكن ليلة القدر تصنع لنفسها الاستثناء، حيث يهرع المصلون جماعات جماعات لتأدية صلاة التراويح، التي تكون في أيامها الأواخر من أجل ختم كتاب الله مع الإمام وكذلك التذرع إلى الله بخالص الدعاء، وعادة ما تقام في المساجد بعد الفراغ من صلاة التراويح في الليلة المباركة؛ احتفالات دينية توزَّع خلالها الجوائز على المشاركين في مسابقات حفظ وترتيل القرآن الكريم التي أقيمت في شهر الصيام، والتي غالبا ما تمتد إلى ساعات متقدمة من اليوم الموالي، يصدح الرجال فيها بين الفينة والأخرى بأروع الأناشيد التي تغنت بفضائل ليلة القدر وخير الأنام محمد بن عبد الله.
ليلة السابع والعشرين فرصة لتصويم الصغار
تُعتبر ليلة القدر بالنسبة للعائلات الجزائرية فرصة لا تعوَّض لتعويد أطفالهم على الصيام لأول مرة، حيث تقام للصغار احتفالات خاصة بهدف تشجيعهم على أداء شعائر الصيام وتحبيبا لهم في الشهر الكريم؛ إذ يحظون بالتمييز من أجل دفعهم أكثر للمواظبة على أداء ثالث أركان الإسلام، حيث تقوم الأمهات بإلباس بناتهن أفضل ما يملكن من ألبسة، ليجلسن كملكات على طاولة الكبار، وهو الأمر ذاته بالنسبة للذكور.. كل هذا يقام وسط احتفال بهيج بصيامهم، فكل منطقة في الجزائر القارة تنفرد بعاداتها وتقاليدها عن المنطقة الأخرى في نمط الاحتفال، مع اشتراكها في أنها تحيا وسط جو أسري يغلب عليه مناخ من الفرحة والبهجة؛ افتخارا بأول صيام لوليدها، فالتتويج بالإفطار مع الأسرة وعلى مائدة الكبار بمثابة مكافأة للصغار على صبرهم طيلة يوم شاق.
تلاقي العائلات العادة الجديدة التي طرقت الليلة المباركة
ومن العادات الجديدة التي دخلت البيوت الجزائرية واحتضنها الجزائريون بكل محبة في شهر رمضان المعظم، دعوة أهل الفتاة لخطيبها وأهله في هذا اليوم من ليلة القدر للإفطار معا، وهي الفرصة التي لا يمكن تفويتها من قبل العائلتين بهدف التعرف أكثر والتقريب بينهما قبل الزواج، ويقدم الرجل خلال هذا اللقاء لخطيبته هدية تُعرف باسم “المهيبة”،. كما تبدأ النسوة الجزائريات تحديدا في ليلة السابع والعشرين بتحضير أشهى حلويات العيد بعد أن فرغن من اقتناء ملابس عيد الفطر المبارك لأطفالهن. هذه هي أجواء العيد المبارك الذي يسبق عيد الفطر في الجزائر، فإضافة على كونها ليلة قيام وتلاوة وذكر وتضرع فهي مناسبة لإحياء عادات طالما ارتبطت بمجتمعنا، ويوما بعد يوم تكاد شمعة هذه الأخيرة تنطفئ لولا أنه من حين إلى حين تأتي مناسبة كليلة القدر لتبعث الروح فيها من جديد.