نظرا للرسالة التربوية التي يضطلع بها المسجد والمهمة النبيلة الملقاة على عاتق الإمام في إرشاد الأمة وتوجيهها في سبيل خدمة دينها ووطنها، وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الشخصية، وعلى هامش الندوة العلمية التي نظمها المركز الثقافي الإسلامي لولاية بومرداس حول ظاهرة التسول الأسباب والأساليب والعلاج، اغتنمت «الشعب» فرصة وجود بعض الوجوه اللامعة في العلم والتربية والخطابة، واستفسرتهم حول قضايا ومستجدات تتعلق بالخطاب المسجدي، ودور الإمام.. فكانت هذه الندوة..
أولى الشخصيات التي التقيناها، الدكتور عبد النور رابط، الذي أكد أن الدور الحقيقي للمسجد يتمثل في تربية الناس وتكوينهم تكوينا شاملا يؤهلهم لحمل الأمانة التي تعهدوا بحملها، ولابد أن يكون أسلوب التكوين ناجعا، وبالوسائل الفعالة وبالحكمة والموعظة يكون التوجيه والدعوة حتى نكسب الناس بدل تنفيرهم، ولا يظن الناس أن تعليم الدين مقتصرا على العبادات فقط، فتلك مغالطة يجب تصحيحها للنشء خاصة، إنما حقيقة الدين معاملات وسلوكات حياتية أيضا، وهو ما يحقق صفة الشمولية فيه، بمعنى أن لا نغفل تطبيق جانب مهم من الدين، ونكتفي بتطبيق القشور منه، هذا الفهم الخاطىء لحقيقة الدين هو الذي سبّب لنا مشاكل عديدة نتجرع ويلاتها اليوم
ويعتقد الأستاذ عمر العسكري معتمد الشؤون الدينية وإمام خطيب، أن عدم وعي المسلمين بالدور الحقيقي للمسجد جعله يفقد صوته باعتباره المنبر المدوي والمؤثر في سلوكات الناس، هذا الفراغ الفكري والتوجيه الحقيقي الذي افتقده المسجد أدى إلى كارثة في التسيير بحيث أعطيت مقاليده لأطراف ليست مؤهلة علميا، أو تربويا، ما أدى إلى ظهور بعض النقائص كانت ذريعة في هجران المسجد أو الانتقاص من قيمته، وأحيانا الكفر به!! ثم إن عدم تحلي الأئمة بأخلاقيات الداعية والابتعاد عن كثير من مواصفاته، كالحكمة والخلق الطيب، كل ذلك جنى بطريقة سلبية على دور المسجد.
وبخصوص المفاهيم الخاطئة التي طغت وبشكل واضح على مهمة المسجد والسبيل إلى تصحيحها - يضيف الأستاذ العسكري - اعتبار الوصول إلى المنبر فرصة لاستعراض العضلات في الكشف عن حصيلة الواعظ في علمي المعقول والمنقول وما استجد من المعارف، ومناسبة للإفصاح عن امتلاك ناصية اللغة وبيانها، والقيام بالتشدق في الكلام حتى ينزلق الخطيب بذلة ويسقط في مهاوي مصائد الألسن، فيدرج نفسه في زمرة «المتفيقهين»، كذلك نجد الخطيب يحرص على تصيد زلات الناس وعيوبهم والتشنيع بها، واعتبار ذلك من الدين ومن صميم تغيير المنكر. ثم هناك من الأئمة من يعتبرون العمل في المسجد مثل أي وظيفة أخرى دون الاكتراث بروح الإسلام التي تربى في قلب المؤمن، والتي تؤدي حتما إلى العمل على التمكين لدين الله، والغيرة عليه، والتضحية في سبيله. كل هذه المفاهيم خاطئة تعيق عن قيام المسجد بوظيفته على أكمل وجه.
غير أن السبيل الأمثل نحو تصحيح هذه الأخطاء - يقول الدكتور موسى إسماعيل، رئيس لجنة الفتوى للمجلس العلمي لولاية الجزائر - هو الحرص على التفقه في الدين والتكوين في الشريعة لأن ذلك يساعد على معرفة رسالة المسجد الحقيقية ومن ثم الإقدام على تأديتها بكل إخلاص وأمانة، والوصول بها إلى مقاصد الشريعة السمحة بانتهاج أحكام سليمة في تعليم أحكام الله لجمهور المسلمين والناس دون إفراط أو تفريط. كذلك لابد من الرجوع إلى التاريخ لمعرفة الأدوار التي قام بها الإسلام عبر العصور المختلفة ابتداء من مسجد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ، لنعرف حقيقة الخطاب المسجد حتى نكون على بص يرة وبينة من أمرنا.
كما يرى الدكتور موسى إسماعيل، أن المسجد قد أثبت جدارته وقدرته على توجيه الناس وإعدادهم لخوض غمار الحياة، وبرهن في كثير من الأحيان على تسيير شؤون الحياة الدينية، والتربوية، والاجتماعية، والسياسية، وكان بذلك مركز إشعاع ومنارة هادية، فإنه قادر اليوم أن يسهم في تصحيح الأخطاء والمفاهيم البالية التي لا تزال عالقة بأذهان بعض شبابنا، ثم توفير الإمكانيات المادية والمعنوية، وتوفير الجو الملائم للعمل الدعوي والمسجدي وعدم تضييق على الأئمة، والتعاون معهم تعاونا ينم عن نية صادقة وإخلاص بين.
فضل الإمامة
من جهته يرى الأستاذ الدكتور طاهر عامر، رئيس لجنة البحوث والدراسات الإسلامية بالمجلس العلمي لولاية الجزائر، أنه من أخطر المناصب منصب الإمامة لأنه منصب خلافة ورئاسة، ثم هو بعد ذلك القدوة والرحمة في كل شيء. وبحكم التطور التاريخ الإسلامي انتقل هذا المنصب فأخذ شكل القيادة والتوجيه فبتماسك الأئمة وتوجيههم للأمة، حدث أن دخل التتار في الإسلام بعد سقوط الدولة العباسية، وهذا رغم سقوط الكيان السياسي الإسلامي على يديهم، والفضل يعود هنا إلى الدور الحقيقي والفعال للإمامة. ولقد كانت الإمامة في عهد الاستقلال وقبله تشرف على الكتاتيب القرآنية، واستمرارها. كما أن الإمام هو الذي يتوخى التوجيه الهادف في المجتمع الجزائري المسلم، بالإضافة إلى الدور الريادي الذي يقوم به في صده للغزو الفكري الوافد علينا من الغرب وتلك مسؤوليته. لكن يعتقد الأستاذ عامر أن هذه الإمامة تتطلب ما يلي:
- ضرورة متابعة الإمام للأخبار الداخلية والخارجية، وعدم إغفاله لأي خبر باعتباره حريصا على سلامة الأمة من التشويه الفكري.
- تتبع مشاكل الأمة في وسائل الإعلام المتنوعة مهما كانت.
- على الإمام أن يطالع في كل الفنون والثقافة العامة خاصة، حتى يكون عارفا بكل ما يحدث حوله يوميا، وهذا بالتردد على المكتبات مثلا.
- كما يجدر بالإمام أن ينزل إلى حياة الناس يتحدث إليهم ويعرف حقيقة معاناتهم لتسهل مهمته، فيعرف كيف يخاطبهم ومن أين يبدؤوهم وإلى أين ينتهي معهم.