السلف يحذرون من التطرف الديني

علم السلف والعلماء رضي الله عنهم خطورة الغلو في الدين فحذروا منه. فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسأله رجل عن معنى الأبِّ في قوله تعالى: (وَفَاكِهَةً وَأَبّاً)«عبس:31»فيقول له: «نُهينا عن التعمق والتكلف».
 وقال عبادة بن نَسِيٍّ - رضي الله عنه - لجماعة: «أدركت أقوامًا ما كانوا يشددون تشدديكم، ولا يسألون مسائلكم».
وقد كَتَبَ رَجُلٌ إلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَسْأَلُهُ عن الْقَدَرِ، فكَتَبَ:
 أمّا بَعْدُ، أُوصِيكَ بِتَقْوَى الله، وَالاقْتِصَادِ في أمْرِهِ، وَاتّبَاعِ سُنّةِ نَبِيّهِ صلى الله عليه وسلم، وَتَرْكِ ما أحْدَثَ المُحْدِثُونَ بَعْدَ ما جَرَتْ بِهِ سُنّتُةُ، وَكُفُوا مُؤْنَتَهُ. فَعَلَيْكَ بِلُزُومِ السّنّةِ؛ فإنّهَا لَكَ بإذْنِ الله عِصْمَةٌ، ثُمّ اعْلَمْ أنّهُ لَمْ يَبْتَدِعِ النّاسُ بِدْعَةً، إلاّ قَدْ مَضَى قَبْلَهَا ما هُوَ دَلِيلٌ عَلَيْهَا، أوْ عِبْرَةٌ فيهَا؛ فإنَّ السّنّةَ إنّما سَنّهَا مَنْ قدْ عَلِمَ ما في خِلاَفِهَا من الخطأِ وَالزّلَلِ وَالْحُمقِ وَالتّعَمّقِ، فَارْضَ لِنَفْسِكَ ما رَضِيَ بِهِ الْقَوْمُ لأنْفُسِهِمْ، فإنّهُمْ عَلَى عِلْمٍ وَقَفُوا، وَبِبَصَرٍ نَافِذٍ كُفُوا، وَلَهُمْ عَلَى كَشْفِ الأمُورِ كَانُوا أقْوَى، وَبِفَضْلِ ما كَانُوا فِيهِ أوْلَى، فإنْ كَانَ الْهُدَى ما أنْتُمْ عَلَيْهِ لَقَدْ سَبَقْتُمُوهُمْ إلَيْهِ، وَلَئِنْ قُلْتُمْ: «إنّما حَدَثَ بَعْدَهُمْ» ما أحْدَثَهُ إلاّ مَنْ اتّبعَ غَيْرَ سَبِيلِهِمْ، وَرَغِبَ بِنَفْسِهِ عَنْهُمْ؛ فإنّهُمْ هُمْ السَّابِقُونَ، فَقَدْ تَكَلَّمُوا فيهِ بِمَا يَكْفِي، وَوَصَفُوا مِنْهُ ما يَشْفِي، فمَا دُونَهُمْ منْ مُقَصّرٍ، وَما فَوْقَهُمْ منْ مَحْسَرٍ، وَقدْ قَصّرَ قَوْمٌ دُونَهُمْ فَجَفَوْا، وَطَمَحَ عَنْهُمْ أقْوَامٌ فَغَلَوْا، وَإِنّهُمْ بَيْنَ ذَلِكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ.
كتَبْتَ تَسْأَلُ عن الإقْرَارِ بالقَدَرِ فَعَلَى الْخَبِيرِ - بإذْنِ الله - وَقَعْتَ، ما أعْلَمُ ما أحْدَثَ النّاسُ مِنْ مُحْدَثَةٍ، وَلاَ ابْتَدَعُوا مِنْ بِدْعَةٍ، هِيَ أبْيَنُ أثَراً، وَلا أثْبَتُ أمْراً مِنَ الإقْرَارِ بالْقَدَرِ، لقَدْ كَانَ ذِكرُهُ في الْجَاهِليّةِ الْجَهَلاَء، يَتَكَلّمُونَ بِهِ في كَلاَمِهمْ، وفي شِعْرِهِمْ، يُعَزّونَ بِهِ أنْفُسَهِمْ عَلَى ما فَاتَهُمْ، ثُمّ لَمْ يَزِدْهُ الإسْلاَمُ بَعْدُ إلاّ شِدّةً، وَلَقَدْ ذَكَرَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم في غَيْرِ حَدِيثٍ وَلا حَدِيثَيْنِ، وَقَدْ سَمِعَهُ مِنْهُ المُسْلِمُونَ، فَتَكلّمُوا بِهِ في حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ، يَقِيناً وَتَسْلِيماً لِرَبِّهمْ، وَتَضْعِيفاً لأنْفُسِهِمْ؛ أنْ يَكُونَ شَيْءٌ لَمْ يُحِطْ بِهِ عِلْمُهُ ولمْ يُحْصِهِ كِتَابُهُ، ولمْ يَمْضِ فِيهِ قَدَرُهُ، وأنَّهُ مَعَ ذَلِكَ لِفَي مُحْكَمِ كِتابِهِ، مِنْهُ اقْتَبَسُوهُ، وَمِنْهُ تَعَلّمُوهُ. ولئِنْ قُلْتُمْ: لِمَ أنْزَلَ الله آيَةَ كَذا ؟ ولِمَ قالَ كذَا؟، لقَدْ قَرَأُوا مِنْهُ ما قَرَأْتُمْ، وَعَلِمُوا مِنْ تَأْوِيلِهِ ما جَهِلْتُمْ وَقَالُوا بَعْدَ ذَلِكَ: كُلُّهِ بِكِتَابٍ وَقَدَرٍ، وَكُتِبَتِ الشّقَاوَةُ وَمَا يُقْدَّر يَكُنْ، وَمَا شَاءَ الله كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَلاَ نَمْلِكُ لأنْفُسِنَا ضَرًّا وَلاَ نَفْعاً، ثُمّ رَغبُوا بَعْدَ ذَلِكَ وَرَهبُوا».«رواه أبو داود، وقال الألباني: صحيح الإسناد».
وجاء رجل إلى ابن عقيل رحمه الله فقال: أنغمس في الماء مرارًا كثيرة وأشك: هل صحَّ لي الغسل أم لا؟ فما ترى في ذلك؟
 قال ابن عقيل: يا شيخ! اذهب فقد سقطت عنك الصلاة. قال الرجل: وكيف؟ قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رفع القلم عن ثلاث: المجنون حتى يفيق...»الحديث. ومن ينغمس في الماء مرارًا ويشك هل أصابه الماء أم لا فهو مجنون.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024