أهم ما يثير هذا التحقيق هو الطراز المعماري للمساجد في فترة ما قبل الاحتلال، فمن خلال استعراض أنماط أبنية المساجد نجد أن طرزها هي إفراز تاريخي لرافدين حضاريين كبيرين كان المغرب الأوسط مكان التقائهما هما العثمانيون والأندلسيون. ففي حين كانت القوات الصليبية بقيادة فرديناد وإليزابيث تتوغل في مدن الأندلس وتستحوذ عليها الواحدة تلو الأخرى انتهاء بغرناطة سنة 1492 كان المسلمون في الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط قد وصلوا إلى عاصمة البيزنطيين -إسطنبول- سنة 1452.. وهكذا فقد شهدت منطقة شمال إفريقيا منذ القرن الثاني عشر الميلادي توافد الموجات المتلاحقة من المهاجرين الأندلسيين الذي فرّوا بدينهم من الجزيرة الخضراء، التي تزامنت مع ظهور القوة الإسلامية الجديدة التي بسطت نفوذها على معظم ضفاف حوض البحر الأبيض المتوسط، لتتحول مدينة الجزائر التي كانت مجرد قرية منسية على الشاطئ الجنوبي للبحر المتوسط عاصمة إقليمية مهمة ومسرحا للتزاوج الحضاري بين العثمانيين والأندلسيين طيلة الفترة الممتدة ما بين 1516-1830.
وهكذا انعكست هذه الصورة مباشرة على الفن المعماري بما فيها المساجد حيث نجد تعايش طرازين رئيسيين هما الأندلسي والعثماني. فالأول يتمثل في سقوفه القرميدية الحمراء أو الخضراء و الأقواس المعقوفة والأعمدة اللولبية التي تملأ قاعات الصلاة لتذكرنا ولو بشيء من البساطة بمسجد غرناطة، والثاني يتميز بقببه الضخمة التي تغطي المبنى محررة قاعات الصلاة من الأعمدة إلا من أعمدة الضخمة عند أركان القبة الرئيسية لتذكرنا هي الأخرى بمساجد آيا صوفيا و السليمانية والأزرق وغيرها التي أبدع من خلالها المعماري العثماني سنان باشا. كما يبدو التنوع واضحا في طراز المآذن. فقد جرى العرف في بلاد المغرب والأندلس ببناء مآذن ذات القاعدة المربعة تأسيا بمسجد دمشق ثم بالقيروان. لكن العثمانيين الذين استوعبوا الطراز البيزنطي أدخلوا إلى المدينة المآذن المدببة ذات القاعدة الدائرية والشكل الأسطواني أو المتعدد الأضلاع. ولذلك فمن الممكن إلى حد كبير التفريق بين المذهبين المالكي السائد، والحنفي الذي جاء به العثمانيون من خلال طراز المساجد ونوع المآذن. لكنه في بعض المساجد نجد أن الطرازين قد امتزجا في فن معماري متميز مثلما هو الحال في مسجد على بجنين الذي بنيت قاعته وفق الطراز العثماني ومئذنته وفق الطراز الإفريقي.
أما مساجد الصلوات الخمس فقد تعددت هي الأخرى كثيرا. وبرغم اشتهار المدن الإسلامية بانتظامها في أحياء سكنية مستقلة وانفراد كل طائفة اجتماعية ودينية بشؤونها الداخلية ومرافقها العامة بما فيها المساجد والمحلات التجارية والعيون والحمامات، فإن قائمة المساجد كما هو في الملحق لا تعكس بوضوح هذا النظام. فباستثناء الاختلاف المذهبي بين الأهالي العرب والبربر من جهة، و الأتراك والكراغلة من جهة أخرى، لم يكن للطوائف الأخرى مثل الميزابيين والجيجلية والبساكرة مساجد تحمل اسمها. وفي غياب التصنيف الاجتماعي للمساجد، نجد أنفسنا في تساؤل عن مصدر التسميات المتعددة للمساجد. ففي المقابل فإن التوزيع الحرفي كان الانعكاس المعتبر في تسمية المساجد حيث أخذ الكثير منها أسماء الحرفيين الذين يرتادونها وذلك مثل مساجد الخياطين والشماعين والحلفاويين والكبابطية والقنداقجية والشبارلية والشواش.
أما العدد الأكبر من المساجد فقد أخذت أسماء أشخاص يغلب الظن عليهم أنهم فقهاء و أئمة ورجال صالحون ونساء صالحات أو المؤسسون لها وذلك مثل مساجد سيدي عبد الرحمن وسيدي عبد الله وستينا مريم والمرابطة الزرزورة وأبي التقى وبن علي ثم علي بتشنن وعبدي باشا و غيرهم. ويأتي في الدرجة الثالثة تسميات للمساجد بحسب موقعها المتميز في المدينة كأن تكون بقرب عين ماء مشهورة أو عند منحدر حاد أو عند سور المدينة أو بقرب بوابة من بوابات المدينة. ومن أمثلة ذلك نجد مساجد قاع السور والحمّامات وكوشة الوقيد والرحبة القديمة و العين الحمراء وعين العطش والباب الجديد والقصبة وباب السوق، إلخ.
مسجد على بتشين... المسجد الجامع
يقع في زاوية التقاطع بين شارعي باب الوادي والقصبة، وهو مسجد جامع، وقد سمي بهذا الاسم نسبة إلى مؤسسه، وتغطي مساحته 500 متر وتمتد واجهته الشرقية على شارع باب الوادي وتوجد أسفل قاعة الصلاة سبعة حوانيت بالإضافة إلى مدخل ضيق يؤدي إلى الضريح بواسطة درج من ثماني عشرة درجة. ويخرج المحراب على شكل جناح من هذه الواجهة، أما المئذنة فهي مربعة القاعدة ويبلغ طولها حوالي خمسة عشر مترا، وتقع عند زاوية التقاطع بين الشارعين الرئيسيين، وتحتها عين للشرب سميت عين الشارع، أما الواجهة الجنوبية التي تمتد على شارع القصبة فقد كانت تضم تسعة حوانيت بالإضافة إلى المدخل الرئيسي، وقد حول الفرنسيون البوابة الرئيسية التي كانت في مسجد كتشاوة إلى هذا المكان سنة 1843، وقد كُتب على كل دفة من هذا الباب كلمتي “ما شاء الله”، التي ينسبها المؤرخون إلى المعلم أحمد بن لبلاجي أمين النجارين.
أما قاعة الصلاة فهي قاعة مربعة تعلوها قبة مثمنة تحيط بها أربع وعشرون قبة صغيرة، ويستند الكل على أربعة أعمدة رئيسية تتخللها ثمانية أعمدة ثانوية، وقد كانت هذه الأعمدة الثانوية في الأصل ستة عشر موضوعة مثنى مثنى. وقد أضاف الفرنسيون سنة 1843 الإسمنت بين كل اثنين بغرض التقوية، فصارت تبدو ثمانية فقط، وقد كانت هناك ساحة داخلية من الجانب الأيمن للمسجد، أما قاعة الوضوء أو الميضأة فقد كانت خارج المسجد وهي على امتداد الواجهة المطلة على شارع القصبة.
وتفيد الوثائق أن علي بتشين بن عبد الله كان مسيحيا ثم أسلم، وفي وثيقة تعود لسنة 1007هـ (1599م) أن القائد فتح الله بن خوجة بيري هو الذي أعتقه، وفي وثيقة أخرى أن علي بتشين كان تاجرا، ويرى ديفولكس أن ذلك يعني أنه كان يتاجر في السلاح كما جرت العادة آنذاك في إطلاق هذه التسمية، وأنه حسب بعض الروايات الغربية هو الأميرال بيتشيني الإيطالي الأصل الذي كان له ولد فيما بعد يسمى تشلبي، وقد ذكره الأسير الغربي إمانويل دارندا في مذكراته التي طبعت سنة 1656 في بروكسل، وقد بني المسجد سنة 1032هـ ( 1622-23م) ويذكر ديفولكس أنه في 1115 هـ (1703م) تحول اسم المسجد ليأخذ اسم سيدي المهدي وهو وكيل ذلك المسجد.
وتضم أوقاف هذا المسجد أرضا، وثلاثة دور وسبعة عشر حانوتا وثلاث غرف وفرنا وحماما وطاحونة وفندقا، وقد بلغت مداخيل المؤسسة سنة 1834 مبلغ 1610فرنكا و15سنتيم أماالمصاريف فقد كانت 744 فرنكا و40 سنتيم. وقد كان المسجد آنذاك كصيدلية عسكرية، ثم تحول في 27 مارس 1843م إلى كنيسة للمذهب الكاثوليكي، ولم تحدث عليه تعديلات كثيرة إلا أنه فقد منارته التي هدمت سنة 1860.
المسجد الكبير.. حضارة وعراقة وتراث
وهو مقر المفتي العام الذي يشغل في نفس الوقت منصب الإمام والخطيب يوم الجمعة وقد كان هذا المسجد مخصصا للمذهب المالكي. وقد كان مقرا للمجلس العلمي الذي كان يجتمع للنظر في القضايا المستعصية والذي كان يضم كلا من المفتيين الحنفي والمالكي وقاضي المذهبين.
ولهذا المسجد شكل مستطيل محوره الطولي شمال غرب وجنوب شرق. ومساحته بحوالي 2.000 م، وله طول يبلغ حوالي 48 م مقابل عرض بقدر 40م . أما على الواجهة التي تمتد على شارع باب الجزيرة فتبلغ 18م.. ومن بين ملحقات المسجد منطقة تدعى الجنينة تقع على الجانب الجنوبي الغربي وتضم غرفا للإمام وباقي موظفي المسجد. أما على الجهة الشمالية الشرقية فقد كان هناك مصلى لإقامة صلاة الجنائز بالإضافة إلى غرف المؤذنين. وقد كانت فيها كذلك ساحة صغيرة تتوسطها نافورة. والمسجد مسقف بسطوح قرميدية حمراء مائلة ومتعاكسة مثنى مثنى عددها إحدى عشر .. أما السطحان الأوسطان فهما أكبر وتقطعهما قبة تغطي المحراب حسب مصادر ديفولكس فإن هذه القبة مستحدثة نتيجة قصف مدفعي فرنسي في القرن السابع عشر وإلى الجانب الجنوبي تقع المئذنة التي تقوم على قاعدة شبه مربعة أضلاعها حوالي 6م وارتفاعها حوالي 17م.
مسجد سيدي عبد الرحمن .. مسجد الولي
وهو من أصغر المساجد حيث أن مساحته لا تتجاوز 36م وقد أطلع ديفولكس على أقدم وثيقة تتعلق بهذا المسجد والتي تعود إلى سنة 978 هـ (1570 – 71م). ولا تذكر الوثائق علاقة هذا المسجد بالولي المشهور،هل كان هو المؤسس أم الإمام؟ لكن بعض الأقوال المحلية تذكر أنه بالقرب من هذا المسجد كانت هناك دار تسمى بدار سيدي عبد الرحمن الثعالبي. مما يوحي أن التسمية جاءت لهذا السبب. وتتكون إدارة هذا المسجد من وكيل وإمام يقوم بدور المؤذن كذلك، وحزابين اثنين. أما آخر وكلائه فقد كان السيد الحاج حسين بن كرواش. وقد احتفظت عائلته بهذه الوظيفة مدة قرنين أو ثلاثة. وقد أخذ هذا المسجد رقم 66 ثم 7 من شارع شارتر. وقد هدم سنة 1859م. وأقيم في موقعه حديقة عامة ملحقة بمقر السكرتير العام للحكومة.
الجامع الجديد درة المساجد الجزائرية
وهو مبنى عظيم يطل على البحر ويراه القادم من بعيد، ويصل المدينة مع الشاطئ عن طريق دهليز يمر تحته، ويتربع الجامع على مساحة قدرها 1371.20م وهو ذو شكل مستطيل متوجه من شمال - شمال غرب إلى جنوب- جنوب شرق، ويبلغ ضلعه الطولي 39.50م وعرضه 24م، وفي العرض الأخير 24.50م أما سمك حوائطه فهو حوالي متر.
وللجامع شكل عام يشبه الصليب، وتروي المصادر المحلية أن البناء الذي أشرف عليه كان مسيحيا، ولا يدري أحد هل كان دافع هذا البناء في اختيار هذا الشكل دينيا لتجسيد الصليب أم أنه مجرد اجتهاد منه وتكرار للطراز الوحيد الذي كان يعرفه فشبه المسجد بالكنيسة، ويبدو أن أصحاب المشروع لم يدركوا ذلك الشكل إلا بعد فوات الأوان. وتذكر روايات غير موثوقة أن البناء قد أخذ عقابه على يد الباشا لسبب ذلك.
ويعلو المسجد قبة كبيرة عند تقاطع الحدبتين وتحيط بها أربعة قبب صغيرة، أما المئذنة فتقع على الجانب الشمالي الغربي ويبلغ ارتفاعها 29.50م وبعد عمليات الردم التي قامت بها الإدارة الفرنسية هناك أصبح ارتفاعها 25م فقط، كما وضعت أثناء ذلك ساعة كبيرة على المئذنة، ولا يحتوي المسجد على أية زخرفة كما هو الحال عموما في المساجد الأخرى.
جامع السيدة.. مسجد الحكام والقادة
وهو من أهم مساجد الجزائر، يرتاده الحكام والقادة حيث يقع مقابل المدخل الرئيسي لقصر الحاكم، وقد جاء ذكره في كتاب هايدو سنة 1581 الذي ذكر المساجد السبعة المهمة في المدينة.
ولم يعثر ديفولكس على وثيقة تشير على تاريخ بنائه، وأقدم وثيقة جاء فيها ذكره تعود إلى سنة 1564، كما تصفه بعض الوثائق أنه كان يقع في سوق الخضار وفي أخرى أنه قريب لدار السكة (ضرب النقود) ساحة الشهداء حاليا وقد أعيد بناؤه في القرن الثاني عشر هجري على يد الحاكم محمد باشا الذي دام حكمه 25 سنة الذي توفي على سريره، وقد تمت إعادة بنائه سنة 1198هـ (1784م) وخلال إعادة بنائه اشترى الباشا الحوانيت المحيطة بالمسجد بغرض توسيعه، وبنيت حوانيت جديدة على حواف المسجد أصبحت فيما بعد تحت إدارة سبل الخيرات. وقد هدم المسجد أوائل سنوات الاحتلال الفرنسي، حيث شهد ذلك صاحب المخطوط وهو صبي، ولذلك فقد اعتمد في وصفه على أحد أقدم أعضاء الجمعية التاريخية الجزائرية وهو أوغست لودوي، وقد وصفه هذا الأخير بأنه لم يكن للمسجد أية ميزة من الخارج لكونه كان وسط مجموعة متداخلة من المباني أما مدخله فكان من الجهة الغربية مقابل المدخل الرئيسي لساحة القصر، وكانت مئذنته شبيهة باللتين في المسجدين الجامعين، غير أنها كانت مزينة بصنوف من الخزف الملون بالأخضر والأصفر والأبيض، وعكس بساطة المسجد من الخارج فقد كانت عمارته الداخلية رفيعة، فقد كانت تعلوه في الوسط قبة كبيرة تستند إلى حوالي 20 عمودا من الرخام الأبيض وقد نقلت هذه الأعمدة إلى المسجد الجديد، وقد استنتج ديفولكس من الوصف أن مخطط المسجد كان يشبه مسجد علي بتشين، ويرى أنه برغم شهرة هذا الجامع فلم تكن له أوقاف كثيرة.
مسجد فارس.. المسجد الذي يصارع الزمن
يذكر ديفولكس في كتابه على أن اسم المسجد كان في السابق مسجد سيدي الحربي. أحد الأولياء الصالحين ، وأن تسمية بن فارس نسبة إلى الحي الذي يقيم فيه أندلسي يحمل اسم الحاج علي بن فارس،الذي أصبح معلما يشار إليه في العقود ابتداء من سنة 1089 (1678- 79) وأن هذه المنطقة كانت تدعى قبل ذلك حومة فوق بن قاور علي. وتبلغ مساحته 29.60 م . وقد أخذ هذا المسجد رقم 18 من شارع كاتون، ثم صودر بحجة الخراب والإهمال سنة 1842 وقد بنيت دار على النمط الفرنسي على جزء من أرضه ثم هدمت وبنيت مكانها كنيسة لليهود، وساحة عامة باسم بلاس راندون.
جامع كتشاوة .. أشهر المساجد التاريخية بالعاصمة الجزائرية
بني في العهد العثماني سنة 1021 هـ/1792 م لكنه حول إلى كنيسة بعد أن قام الجنرال الدوق دو روفيغو القائد الأعلى للقوات الفرنسية الذي كان تحت إمرة قائد الحملة الفرنسية الاستعمارية “دوبونياك” بإخراج جميع المصاحف الموجودة فيه إلى ساحة الماعز المجاورة التي صارت تحمل فيما بعد اسم ساحة الشهداء وأحرقها عن آخرها فكان منظرا أشبه بمنظر إحراق هولاكو للكتب في بغداد عندما اجتاحها وقد قام الجنرال روفيغو بعد ذلك بتحويل الجامع إلى إسطبل بعد أن قتل فيه من المصلين ما يفوق أربعة آلاف مسلم كانوا قد اعتصموا فيه احتجاجا على قراره تحويله إلى كنيسة وكان يقول يلزمني أجمل مسجد في المدينة لنجعل منه معبد إله المسيحيين ثـم هدّم المسجد بتاريخ 18/12/1832م وأقيم مكانه كاتدرائية حملـت اسم سانت فيليب وصلّى المسيحيون فيه أول صلاة مسيحية ليلة عيد الميلاد 24 ديسمبر 1832 م فبعثت الملكة إميلي زوجة لويس فيليب هداياها الثمينة للكنيسة الجديدة أما الملك فأرسل الستائر الفاخـرة وبعث البابا غريغور السادس عشر تماثيل للقديسين وبعد الاستقلال تم استرجاعه وتحويله إلى مسجد.جامع كتشاوة يمثل تحفة معمارية تركية فريدة من نوعها سمي بكتشاوة نسبة إلى السوق التي كانت تقام في الساحة المجاورة وكان الأتراك يطلقون عليها اسم سوق الماعز حيث أن كلمة كتشاوة بالتركية تعني عنزة يتواجد هذا الجامع بالقرب من مدينة القصبة بالجزائر العاصمة وللعلم أن القصبة بناياتها كلها تعود للعهد العثماني في الجزائر. في 4 من جمادى الآخرة 1382 هـ 2 من نوفمبر 1962م إقامة صلاة الجمعة في جامع كتشاوة بالجزائر وكان خطيبها العالم الجزائري الشهير البشير الإبراهيمي وكانت هذه هي الجمعة الأولى التي تقام في ذلك المسجد بعد مائة عام من تحويل الاحتلال الفرنسي هذا المسجد إلى كنيسة جامع كتشاوة.
كما يذكر عقد محرر سنة 1021(1612-13 ) أن الجامع كان موجودا آنذاك، وأنه في سنة 1209(1794-95) قام الباشا حسن بإعادة بنائه وتوسيعه، وقد أعيد تصميمه وفق نموذج مسجد السيدة، ويصف ديفلكس المسجد بأنه كان له ردهة في الوسط مربعة الشكل تحيط بها أعمدة من الرخام من ثلاثة جوانب، وكانت هناك سدة من الجوانب الثلاثة تقطع ارتفاع الأعمدة في الوسط، وكانت هناك قبة مثمنة تغطي هذه الردهة، وكان المحراب يقع على الواجهة الشرقية أين كان يوجد باب صغير، أما البوابة الرئيسية فقد كانت تقع على الجنوب.
وقد ترجم ديفولكس عقد أبرم في المحكمة الحنفية يحمل بالإضافة إلى توقيع القاضي الحنفي، كلا من خاتم الباشا حسن والباشا مصطفى. وينص العقد على أن الباشا حسن قد رفع بناء المسجد الجامع في الموقع المسمى كتشاوة بقرب سيدي الوالي دادا. ثم عدة مبان داخل مدينة الجزائر على الخطيب والمؤذن والحزابين والفراشين والفقهاء بهذا المسجد. وأما باقي المداخيل فتصرف على القناديل والزيت والفرش ومستلزماته. وقد حرر العقد في شعبان من سنة 1210 ( 2-29 فبراير 1796). وقد كان يشرف على أوقافه شركة سبل الخيرات التي كانت تعتني بالأوقاف الحنفية.
وقد حول المسجد إلى كنيسة كاثوليكية سنوات بعد الاحتلال وجرت عليها تعديلات كثيرة ثم تهدمت كليا. ولم يسلم من الهدم إلا الأعمدة الداخلية. وأعيد هدمها على غير شكلها الأول مما جعل ديفولكس يتأسف لفقدان أصالتها المعمارية. وقد أخذت في عهد الاحتلال الفرنسي رقم 70 ثم 100 من شارع الديوان.
مسجد سيدي رمضان.. مسجد القصبة القديمة
وهو مسجد متميز من حيث موقعه وتاريخه. فهو يقع بالمكان الذي أقيمت فيه القصبة القديمة التي أسسها البربر قبل وصول العثمانيين. ولا توجد أية لوحة تشير إلى سنة تأسيسه. كما أن أقدم العقود التي اطلع عليها ديفولكس التي تتعرض إلى هذا المسجد بالذكر تعود إلى سنة 959 هـ (1552- 1551). وكان يطلق عليه خلال هذا التاريخ في ذلك العقد اسم مسجد القصبة القديمة. ويشترك هذا المسجد مع كل من المسجد الجامع ومسجد القشاش في سقوفها القرميدية الحمراء التي تنقسم إلى تسعة مسطحات متباينة الاتجاه، موضوعة باتجاه عرض المسجد. وللمسجد مخطط شبه مستطيل متجه شمال جنوب، لكنه ينحرف في آخر جنبه الجنوبي نحو الغرب، بزاوية منفرجة، ويحمل السقف ثمانية عشر عمودا من الحجارة تبعد عن بعضها بحوالي ثلاثة أمتار، وتقسم سقف المسجد إلى ثلاثة أروقة طولية وتسعة عرضية تتناسب مع مسطحات السقوف القرميدية. وتتناسب المئذنة مع هذا الشكل المتواضع حيث لا ترفع كثيرا في السماء ولها قاعدة مربعة الشكل وضيقة تضم داخلها 45 درجة منخفضة و05 مرتفعة جدا . ويلاحظ على الواجهة وجود باب لبيت صغير أو “بويتة” وغرفة مخصصة للخطيب، وعين ماء، وميضأة وغرفة مظلمة تضم ضريح الولي سيدي رمضان. وقد كان لهذا المسجد بابان أحدهما على شارع رمضان والثاني على شارع تيقر. وبقرب المسجد يوجد مصلى توضع فيه الجنائز للصلاة يقع على شارع زواف.
وكان لهذا المسجد وكيل وإمام يقومان بإلقاء خطبة الجمعة ومؤذنين يوميين وثلاثة مؤذنين لصلاة الجمعة، وستة حزابين وخمسة قراء لكتاب “ تنبيه الأنام” و” البخاري “ وقارئ “ للتوحيد “ وعدة قراء خلال شهر رمضان، وقارئ لكتاب الولي سيدي عبد الرحمن، كما كان هناك مسؤول على الموظفين، وكناس، وشغال، ومنظف للمراحيض.كما كان للمسجد أحباس يصل عددها إلى الخمسين عقارا، تصرف وارداتها على مختلف احتياجات المكان.
جامع السفير.. معلم تاريخي وثقافي
وقد بني هذا المسجد في أراض ضمت إلى المدينة بعد بناء السور الجديد الذي يحيط بالمدينة لتوسيعها. وقد وضعت أسسه في رجب 940 هـ على يد القائد صفر بن عبد الله الذي كان مسيحيا وعبدا لمولاه الباشا خير الدين، والذي أعتق بعد ذلك.وقد ألم بعد زمن باللغة العربية وأصبح من قارئي القرآن، وقد انتهى من بناء مسجده في الثاني من ربيع الأول من سنة 941(11 سبتمبر 1534) أي بعد تسعة أشهر من العمل.
مسجد سيدي امحمد.. مسجد أبو القبرين
يقع بالحامة،جنوب ساحة أول ماي، على طريق الحديقة العامة، وقد أسس هذا الولي مذهبا صوفيا أصبح مشهورا في بلاد القبائل، وقد اعتنق الأمير عبدالقادر هذا المذهب لاستمالة القبائل لجانبه في حربه ضد العسكر الفرنسيين، وقد عاش هذا الولي في مدينة الجزائر أيام الباشا بابا محمد وزار مصر وتوفي في بلاد القبائل في منطقة بني اسماعيل، وهي الفرقة الرئيسية في قبيلة قشتولة التي يبدو أنه ينحدر منها، والتي أقامت له ضريحا يناسب مكانته، وقد سرقت جثة الولي بعد ذلك ووضعت قريبا من مدينة الجزائر بالحامة، مما أثار سخط القبائل، لكنه اعتقد فيما بعد بأن هذا الولي يمكن له أن يكون له قبران، ومن ذلك أصبح اسمه المشهور “أبو قبرين”.
مسجد سيدي عبد الله.. مسجد الخلوة
وقد سمي بهذا الاسم لكونه يقع بالقرب من مجموعة حوانيت بهذا الاسم. وأما تسميته السابقة فكانت مسجد الشيخ سيدي شعيب، وهو ولي من أولياء الله كانت له خلوة تقع على شارع تومبوكتو. وقد احتفظ هذا المسجد بهويته ووظيفته وأخذ رقم 32 ثم 17 من شارع عبد الله.
مسجد سيدي قدور.. المعلم القرآني
وقد كان هذا المسجد يستعمل كمدرسة قرآنية. وكانت بجانبه غرفة صغيرة مظلمة تضم ضريح سيدي بوقدور. وتعود شهرة هذا الولي – مع ثلاثة آخرين- إلى رواية محلية تتعلق بالحملة التي قادها الزعيم الصليبي الإسباني شارلكان ضد الجزائر، حيث ملأت جيوشه مرابض المدينة بعد أن نزلت في الحامة وأحاطت بالمدينة من باب عزون إلى كدية الصابون. فالرواية المحلية تذكر أن الولي المذكور نزل إلى شاطئ المدينة وكان بالقرب منه محل لبيع الفخار فأخذ يرفع القدور ويرميها على الأرض، وصاحبه يتعجب ويسخط، وكلما تزعزعت سفينة إسبانية، وقد حدثت إثر هذه الكرامة زوبعة بحرية كبيرة حطمت الأسطول الإسباني سنة 1514 وبذلك اشتهر الولي باسم سيدي بوقدور. غير أن ديفولكس يرى أن هناك في تاريخ وأساطير المدينة أربعة أولياء تنسب إليهم نفس الكرامة وهم سيدي والي دادة، وسيدي أبو التقى، وسيدي بوقدور هذا والعبد يوسف . وقد احتفظ المسجد بدوره أثناء الاحتلال الفرنسي.