حينما يحلّ ضيف عزيز على الأسرة فإن من عادة الكرماء أن يحسنوا استقباله، ويستقبلوه بحفاوة. ومن قبل ذلك الحلول بوقت تعلَن حالة الطوارئ في ذلك البيت المضيف، خاصة إذا كان وقت مجيء ضيفهم معلوماً لديهم، فيسلم المضيفون من فجاءة حضوره التي قد تضيِّع الكثير من حقوقه عليهم، ويحتاطون لضيفهم بما يؤمّن إكرامه.
بل ويحاول ساكنو تلك الدار استقباله بما يليق بمثله من التجمل في المظهر والمسكن، والتوسع بعض الشيء في المأكل والمشرب، وإظهار ما يسره من المحاسن، مبالغةً منهم في إسعاده، ومنعاً من إحراجه، مع اتخاذ وقاية لهم تمنع وتصد عن عمل القبائح في وجوده، وتستر وتخفي العيوب والسلبيات التي قد تكون منهم، وذلك رغبة منهم في إكرام ضيفهم وزيادة في الترحيب به والحفاظ على مشاعره والتأدب في حضرته.
إن كل هذه الحفاوة وكل هذا التكريم والتأدب يكون مطلوباً وواجباً مع ضيوفنا، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حثنا على ذلك حين قال: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه” (متفق عليه).
فما بالنا إن كان الضيف يحلّ علينا بأمر من الله تعالى مرة واحدة كل عام يشرف بها الزمان والمكان، وينتظره أهل الأرض من المؤمنين وهم يدعون ربهم بلهفة وشوق أن ينعم عليهم بلقائه، وأن يصطفيهم بشهوده، تلهج ألسنتهم وقلوبهم: اللهم بلغنا رمضان، وحين يهل هلاله يأتي بالذكرى الطيبة الخالدة، ذكرى اتصال الأرض بالسماء، وإحياء القلوب الميتة بغيث الوحي، وإنارتها بنور الرسالة.
من هنا وجب حسن استقباله، وتحتَّم على الجميع إكرامه، لأنه ليس كأي شهر أو زمان، إنما هو كما قال تعالى: “شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى” والفرقان (البقرة: 185). فهل يختلف إكرام الضيف إن كان شهراً عنه إن كان بشراً؟
رمضان .. ذكرى اتصال الأرض بالـسمـاء
شوهد:987 مرة