الحكمة كنز، وفضل الله يؤتيه من يشاء، والحكمة أن تذكر أن نفعت الذكرى، وأن تقيم الناس منازلها، والنصوص أماكنها، وتلازم الصمت إلا عند الضرورة، وإذا قلت فعلت، فالفعل بلا قول عسل فيه ذوق وشفاء للناس والقول بلا عمل مقت العزيز الجبار، ومصيدة الخناس وأصل كل وسواس.
والحكمة بلا علم شعوذة، والعلم بلا حكمة ثرثرة وحجة عليك يوم يؤخذ بالنواصي والأقدام، حيث تسأل عن عمرك فيما أفنيته، وشبابك فيما أبليته، وعلمك أو مالك فيما أنفقته، وأكتم سر الله على أهل الدنيا، أهل ... المكر والطمع والنفاق. ولا تنفق منه إلا بقدر وحذر.
قال الله تعالى: {ودّ الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة}، (سورة النساء الآية 102).
وعلم نفسك كيف ترتاع وتصطاد، قال عز وجل: {يسألونك ماذا أحل لهم، قل أحل لكم الطيبات، وما علمتم من الجوراح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله، فكلوا مما أمسكن عليكم وأذكروا اسم الله عليه واتقوا الله إن الله سريع الحساب}، (سورة المائدة الآية 5).
فالذي يغفل عن سلاحه مال عليه عدوه ميلة تجعله عبدا ذليلا بعد حريته وعزه، ميلة واحدة تهدم كيانه بالكلية.
فالغفلة عن السلاح خيانة، وجزاء الخيانة القتل أو النفي من أرض النفحات والمحبة، وسبب في زوال النعمة قال تعالى: {وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في العارض وإنا على ذهاب به لقادرون}، (سورة المؤمنون الآية 18).
وعامل أهل المكر بمعدنهم {ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله}، (سورة فاطر الآية 43)، وأهل المودة بكنزهم وتسلح باليقظة، قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ: «لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين» ومن اليقظة أن تغتنم شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك – كما قال سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وفراغك قبل شغلك وغناك قبل فقرك وحياتك قبل موتك، واختر لإنفاقك موضعه، ولعلمك وعاءه، ولولدك أمه، قال تعالى: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قيما}، (سورة النساء الآية 5)، فالسفيه فخور، بخيل، كنود، مناع للخير هماز، مشاء بنميم، لا يعقل إذا نصحته، و لا ينتهي عن شر إذا زجرته، أحمق، والحماقة أعيت من يداويها.
وللسفيه حق في الرعاية والعلاج حسب دائه «فالكبر على أهل الكبر صدقة» ـ كما قال سيدنا محمد رسول الجن والبشرية.
والطبيب الماهر يعلم كيف و متى يعالج ومن يعالج، لأن الدواء في غير محله علة. وكم من داء أزال على صاحبه العلة، كسم الأفاعي في ترياق الأسقام.
وانظر إلى أخيك بالكمال، فكل عيب رأيته فيه هو عيبك، وكل خطإ رآه فيك هو عيبه، لأن المؤمن مرآة أخيه ـ كما جاء في الأثر عن سيد البشر - والحسنة إذا أصابتك فمن الله، والسيئة من نفسك، والحسنة أن لا تظن في الناس إلا الخير، وأن تحكم عليهم بالظاهر وأن لا يعنيك باطنهم. وجوهر البر يكمن في وصية رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأبي ذر رضي الله عنه على وجه الخصوص، ولأمته عامة التي يجب فهمها وتبليغها وتطبيقها، فإن رحمة الله لا تفارق أهلها. قال أبو ذر رضي الله عنه «أوصاني خليلي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بسبع: بحب المساكين، وأن أدنو منهم، وأن أنظر إلى من هو أسفل مني، ولا أنظر إلى من هو فوقي، وأن أصل رحمي و إن جفاني، وأن أكثر من قول ـ لا حول ولا قوة إلا بالله - وأن أتكلم بمر الحق، ولا تأخذني في الله لومة لائم، وأن لا أسأل الناس شيئا».
فالصدقة لا تؤِدى لغني إلا إذا أصابته جائحة ذهبت بزرعه مثلا، أو فاقة أحوجته إلى غيره، فله أخذها حتى تستقيم حاله، فالذي يأكلها عن غنى بلا عذر شرعي شارك اليهود في أخلاقهم. قال تعالى: {سماعون للكذب أكالون للسحت}.
قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوما في حجة الوداع و هو واقف بعرفة حينما أتاه أعرابي فأخذ بطرف ردائه فسأله إياه فأعطاه وذهب «إن المسألة لا تحل لغني ولا لذي مرة سوي، إلا لذي فقر مدقع أو غرم مقطع، ومن سأل الناس ليثري به ماله كان خموشا في وجهه يوم القيامة، ورضفا يأكله من جهنم فمن شاء فليقلل، و من شاء فليكثر».
الحكمـة بلا علـم شعوذة والعلـم بلا حكمـة ثرثـرة
شوهد:1060 مرة